العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ

يزيد ليس سنيا

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المؤكد أن الإمام الحسين (ع) لم يكن شيعيا. فالتشيع إنما نشأ بكونه تيارا بعد كربلاء بحسب بعض الطروحات التاريخية، وإن كانت هناك طروحات أخرى ترجِع التشيع إلى أيام الرسول (ص) مع التفاف بعض الصحابة حول الإمام علي (ع)، فيما يرجع بعضها الآخر إلى زمن الإمام الصادق (ع)، الذي عاش بعد كربلاء بأكثر من سبعين عاما.

في المقابل، من المؤكد أن يزيدَ بنَ معاويةَ لم يكن سنيا على الإطلاق. فهو لم يكن حنفيا ولا حنبليا ولا شافعيا ولا مالكيا. فكل هذه المذاهب جاءت بعد هلاك يزيد بأكثر من مئة عام. ولم تتبلور هذه المذاهب إلاّ في ظل الدولة العباسية التي أمر أحد حكامها بالاقتصار على أربعة مذاهب من بين أكثر من خمسة عشر مذهبا متداولا بين الناس، وكان أصحاب هذه المذاهب أقربَ لرجال الدين الكبار ورواة الحديث.

ثلاث سنوات قضاها يزيد في حكم الدولة الإسلامية. وكان له في كل سنة إنجاز تاريخي عظيم: ابتدأ عهده المشؤوم بقتل سبط رسول الله (ص)، وثنا وثلث بضرب الكعبة المشرفة بمدافع المنجنيق، ومعركة الحَرَّة التي استباح فيها مدينة الرسول (ص)، وقتل بقية الأنصار وذراريهم، وانتهاك أعراض نسائهم وبناتهم، من أجل أن يبايعه المسلمون على أنهم عبيد، كما يذكر التاريخ.

ثلاث سنوات كالحات عاصفات ابتلي بها العالم الإسلامي بهذا الطاغية الجبار. ومن رحمة الله بالمسلمين أن سلطانه لم يطل أكثر، وإلاّ لما أبقى للإسلام ولا المسلمين من باقية، ولتحوّل الإسلام إلى دين كهنوت، ولأصبح المسلمون عبيدا يتمرّغون على أعتابه يتسوّلون فتات مائدته.

تخيلّوا ما سيجري لو استمر هذا الحاكم الدموي عشر سنوات أخر، لأرسل جيشه في العام الرابع إلى اليمن لتخضيد شوكتها، وعاما آخر إلى مصر، وعاما إلى إفريقيا، وعاما إلى فارس والهند، ولانقلب في الأخير إلى البحرين وعُمان وساحل الخليج، حتى يدك باقي بلاد المسلمين ويهدمها صرحا صرحا.

هذا هو يزيدُ بنُ معاويةَ الذي انقلبت عليه حتى نساء بيته عندما سمعن نياح حفيدات الرسول (ص) من الخربة المجاورة للقصر. حتى زوجته هند أدانته على جريمته، وشاركت سيدات البيت النبوي في إقامة العزاء؛ مما قلب الرأي العام ضد يزيدَ في عاصمة ملكه.

هذا الحاكم لا يتشرّف بنسبته إليه عاقلٌ ولا نصفُ عاقلٍ ولا سفيه. طاغيةٌ يتفاخر بقتل الإمام الحسين (ع) ثأرا لأجداده المشركين من قتلى بدر. ابتلي بحكمه المسلمون في عهدهم الأول، وابتلي الإسلام بنكسة أخلاقية كبرى ضعضعت مسيرته الحضارية وأرجعته إلى الوراء. وهي النكسة التي أشار إليها فيلسوف الشعراء أبوالعلاء المعري حين قال:

أليس قريشكم قتلت حسينا

وصار على خلافتكم يزيدُ؟

إذا كان من خطأ الشيعة أن جعلوا الإمام الحسين (ع) شيعيا، وسايرهم على ذلك بقية المسلمين، فإن من خطأ السنّة أن يعتبروا قاتله واحدا منهم، ويلتمسوا لجرائمه التبريرات السخيفة كما فعل بعض المتعصبين القدامى، أو يطالب بعض المعاصرين بعدم الكتابة عن يزيد؛ تجنبا لإثارة حساسية بعض الجيوب المحتقنة طائفيا.

الإمام الحسين (ع) لم يكن شيعيا حتما، وفي المقابل إن يزيد - الذي ليس في تاريخه مجد ولا مأثرة - ليس سنيا بكل تأكيد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً