أثار التفجير الإرهابي في أكتوبر/ تشرين الأول 2002 لمقهى على الساحل في جنوب بالي القلق حول مدارس إندونيسيا الإسلامية؛ إذ إن طلابا من مدرسة داخلية إسلامية في لامونغان بجاوه الشرقية أدينوا أخيرا في الجريمة. بالنسبة إلى بعض المراقبين الإندونيسيين، تؤكد حقائق كهذه أن بعض مدارس إندونيسيا الإسلامية على الأقل جرى تحويلها إلى معسكرات لتدريب الإرهابيين المسلحين.
إلا أن التعليم الإسلامي في إندونيسيا منوّع ولا تبدو مجالاته المركزية مثل أطرافه المتشددة. وبوجود 11.000 مدرسة إسلامية داخلية و36.000 مدرسة إسلامية يومية، فإن إندونيسيا تملك أوسع قطاعات التعليم الإسلامي في العالم. ويحصل 13 في المئة من طلاب المدارس الابتدائية في الدولة على تعليمهم الابتدائي في مدارس يومية إسلامية. ويحضر أكثر من ضعف هذا العدد صفوفا دينية مسائية أو في عطلة نهاية الأسبوع في مدارس إسلامية. ويمكن وصف نحو 1 في المئة من مدارس إندونيسيا الإسلامية على أنها متطرفة اجتماعيا، ولا يزيد عدد المدارس التي قد تنزع على ما يبدو إلى مساندة العنف العسكري على بضع عشرات.
ما يمثل التيار التعليمي الرئيسي في إندونيسيا إلى درجة أبعد إذا هو نظام الجامعات الإسلامية التابعة للدولة. يتوجب على كل طالب يُقبل في نظام الجامعات الإسلامية التابع للدولة أن يحقق متطلبات دراسية فرعية تبدأ بمساقات في التاريخ الإسلامي والمنهجيات التي تشكل المفاهيم في دراسة الإسلام. وتستخدم هذه المساقات -ضمن تأكيدها غير العقائدي على تفسيرات بديلة للحوادث التاريخية الأساسية - بوصفها أساليب مماثلة للبرامج الدينية المقارنة في الغرب، ولكنها نادرا ما تستخدم في نظام التعليم العالي في الدول الإسلامية الأخرى.
منذ العام 2000 بدأت سبع من الجامعات الإسلامية الحكومية عملية إعادة هيكلة بعيدة المدى تضم إنشاء كليات جديدة في مجالات غير دينية مثل الطب وعلم النفس والتربية وإدارة الأعمال. ومما يثير الدهشة أنه منذ العام 2004 يُطلب من جميع الطلبة الذين يتقدمون لنظام الدولة الإسلامية إتمام مساق في الدراسات الاجتماعية يعرّف الطلبة إلى مُثُل الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان. ولا توفر الكليات المسلمة في أي مكان آخر في العالم أسلوب تدريس مقارن عن القيم الديمقراطية.
في محاولة لدراسة وجهات نظر التربويين المسلمين عن الإسلام والديمقراطية، عملت في مطلع العام 2006 مع هيئة جامعة سياريف هداية الله الإسلامية التابعة للدولة في جاكرتا لإجراء استطلاع لتسعمئة وأربعين تربويا مسلما في مئة مدرسة ومدرسة داخلية في ثماني مقاطعات في إندونيسيا. وتكشف نظرة عامة ملخصة عن وجهات نظر التربويين الكثير.
ليست آراء التربويين الإندونيسيين المسلمين عن الديمقراطية رسمية الطابع والتوجه ولا غالبية الطابع بشكل غير معقول، وهي كذلك تمتد لتشمل الحقوق المدنية الدقيقة.
وتضم هذه الحقوق دعم مفهوم المساواة أمام القانون (يوافق 94.2 في المئة من التربويين)، وحرية الانضمام إلى المنظمات السياسية (82.5 في المئة)، وحماية الإعلام من أعمال الحكومة العشوائية (92.8 في المئة)، ومفهوم أن التنافس بين الأحزاب يحسّن من أداء الحكومة (80 في المئة). هذه الأرقام مرتفعة مثل بيانات مقارنة قام بجمعها استطلاع القيم العالية لأوروبا الغربية والولايات المتحدة.
إذا كان هذا هو كل ما هنالك بالنسبة إلى مواقف التربويين بالنسبة إلى الإسلام والديمقراطية فإن النتائج متفائلة ناصعة بالتأكيد. إلا أن آراء التربويين بالنسبة إلى الديمقراطية ليست معزولة، فهي تتعايش مع التزام قوي بشكل مماثل بالشريعة. على سبيل المثال، وبغض النظر عن قوة التزامهم بالديمقراطية، يؤمن 72.2 في المئة من التربويين بأن الدولة يجب أن ترتكز على القرآن الكريم والسنة وأن يرشدها علماء الدين.
وبالنسبة إلى قضايا المرأة والأقليات الدينية غير المسلمة، نرى توترا بين حماسة التربويين حيال الديمقراطية والتزامهم بالشريعة. ويعتقد نحو 93.5 في المئة من التربويين بأنه يجب عدم السماح لغير المسلم بالتنافس على مركز رئيس الجمهورية، ويشعر 55.8 في المئة أنه يجب ألا تتنافس المرأة على هذا المنصب. ويرغب 20 في المئة بمنع غير المسلمين من التدريس في المدارس الحكومية. باختصار، لا يبدو أن التربويين متسامحون وخصوصا في أمور ثلاثة هي النوع الاجتماعي وغير المسلمين وموقع القانون الإسلامي في الحكومة نفسها.
نرى كذلك في بيانات الاستطلاع أن التربويين المسلمين أعربوا عن أن التزامهم بالديمقراطية وحرية التجمع وحرية الصحافة هو قوي كما هو في أي مكان آخر في العالم الديمقراطي. ولكن فيما يتعلق بالقضايا الدينية لا يمكن اعتبار المسلمين الإندونيسيين ليبراليين علمانيين. وعندما تواجه المبادئ الديمقراطية أمرا للشريعة رأي فيه يشعر معظم التربويين أن عليهم الالتزام بالشريعة. ويؤدى هذا الالتزام أحيانا بأحكام يعتبرها الكثير من المراقبين، بمن فيهم معظم المنظرين المسلمين الذين يكتبون عن الديمقراطية، غير ديمقراطية.
وتقترح هذه النتائج، ضمن تباعد وانتشار مواقف مثل مواقف التربويين هؤلاء في المجتمع الإندونيسي (كما تشير استطلاعات أخرى كذلك أنها متباعدة) أنه من الأرجح أن يستمر المسلمون الإندونيسيون في التصارع ولفترة طويلة مع قضية كيفية التوازن بين مبادئ الشريعة ومُثُلها ومبادئ الديمقراطية. ما هو مؤكد هو أن نتائج هذا الحوار المستمر ستكون لها معانٍ ضمنية خطيرة على ثقافة الديمقراطية الإندونيسية وممارستها.
* أستاذ في الأنثروبولوجيا (علم السكان) ومدير مشارك لمعهد الثقافة والدين والشئون العالمية بجامعة بوسطن، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ