من يقرأ تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش بعد احتلال العراق ويقارنها بما قاله الأسبوع الماضي في منطقة الخليج يعرف أن بوش بلع أنيابه الجارحة في العراق عند أول دولة زارها في الخليج.
في شهر مايو/ أيار 2003 كان بوش مزهوا بنصر سريع يأمل أن يكون الخطوة الأولى لتغيير شكل الحكم في المنطقة، مدافعا حينها عن الديمقراطية وما ستحققه لدول المنطقة وشعوبها المختلفة من استقرار سياسي وعدالة اجتماعية ورفاهية اقتصادية. كان بوش يرى في العراق بؤرة لرقعة كبيرة من الدومينو تترنح لتطيح بكل الأحجار التي حولها، ابتداء من إيران وصولا إلى باكستان شرقا، ومن سورية إلى لبنان غربا، ودول الخليج جنوبا، وتركيا وربما روسيا شمالا.
قطع الدومينو العراقية التي كان يبشر بها بوش ارتدت بعد أسابيع على الجيش الأميركي والدول المشاركة في غزو العراق، فكان أن تحول الحلم إلى مستنقع مازال بوش يناضل للخروج منه بأسرع ممّا يريده العراقيون أنفسهم.
لا نريد هنا أن نتحدث بمنطق الخطب أو البيانات السياسية عمّا جرى في المنطقة، ولكن من يرى الفارق بين تصريحات بوش خلال السنوات الثلاث الماضية وما قاله في الأمس يحتاج ربما إلى كلمات رنانة لا يخلو أيّ خطاب سياسي منها، وخصوصا أن الأسئلة التي رافقت بوش مازالت تتردّد على أكثر من لسان ناشط حقوقي أو مصلح سياسي في المنطقة العربية كلها.
فكيف تحوّل بوش من مبشر بتغيير شامل في المنطقة العربية إلى مدافع عن معظم الأنظمة فيها إن لم يكن كلها؟ هل هو الاعتراف بالفشل، أم اكتشاف متأخر أن ليس كل الدول هي أميركا، أم أن اختياره العراق لتكون بؤرة لنشر «المبادئ الديمقراطية» لم يكن موفقا؟
من يستعيد أرشيف تصريحات بوش قبل أو بعد أشهر من احتلال العراق سيدرك جيدا - من خلال الجولة الأخيرة للرئيس بوش - أن المشروع الأميركي في المنطقة إن لم يكن قد وئد فإنه اليوم مشلول، بل وأصبح عبئا على الدولة العظمى الأولى في العالم التي هي الآن تواجه استحالة تسويق مشروع طالما هلّلت له.
نعم، الدول العربية بحاجة إلى الديمقراطية، وأن يكون للشعب دور في الحكم، ولكن ليس على طريقة الاحتلالات وغزو الدول، حتى وإن كان الهدف مغلفا بشعارات كبيرة وعظيمة مثل ترسيخ مبدأ المشاركة السياسية ونشر الحريات ومعها الديمقراطية في البلدان المحتلة.
بوش بلع أنيابه في الخليج، ولكنه ترك براميل من البارود في العراق وإيران وفلسطين ولبنان، وكلّها قابلة للانفجار في أية لحظة من اللحظات، إذا لم يتدارك الأمر صاحب البيت الأبيض الجديد.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1963 - الأحد 20 يناير 2008م الموافق 11 محرم 1429هـ