العدد 1963 - الأحد 20 يناير 2008م الموافق 11 محرم 1429هـ

عن تراثنا وفولكلورنا «اللي إيفشل»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

الأنباء التي تواردت منذ فترة وجيزة عن حصول دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة على المركز الأول باعتبارها الدولة العربية الأكثر اندماجا في اقتصاد العولمة وذلك من قبل معهد اقتصادي سويسري قد لا تحدث أي أثر مستغرب أو صدمة غير متوقعة، فالاندماج الاقتصادي المعولم يحمل في تضاعيفه أبعادا وأنماطا ثقافية واجتماعية أكثر حدية وتشابكا، والشقيقة الإمارات، وأعني بالتحديد إمارة دبي، تبدو المنصة الأكثر تألقا وبروزا لاحتواء مشاهد معركة العولمة وما تلقيه من تحديات مصيرية وجسيمة لها استجابة أكثر جدية من قبل كبار المسئولين هناك، وما تعبر عنه مشاهد معركة العولمة الحتمية في الإمارات من صدام رغم جيشانه البالغ إلا أنه فائق النعومة والانسجام!

هناك في الإمارات طاقتا تنافر عاليتا الشحن، الأولى تتمثل في المد العولمي الهائج الداخل بقوة وبفيوض اقتصادية وتكنولوجية ومصلحية لا يمكن مجاراتها، أما طاقة التنافر الثانية فهي تلك المستمدة من شعب أصلي يعتز بانتمائه العربي والمسلم وقد وجد نفسه للأسف وقد أصبح أقلية صغيرة جدا على أرضه وأرض آبائه وأجداده، فازداد على رغم كل تلك العوامل تشبثا بينابيع أصالته وجذور قصته الحضارية الأولى، فلم يجد له من خير ذخيرة إلا تراثه الشعبي وفولكلوره، ومثل تلك الاستجابة الإماراتية الأصيلة تجاه تحديات العولمة ساندتها وحفزتها بحكمة رؤى وسياسات القادة الإماراتيين الذين عملوا على خلق ودعم الكوادر الإماراتية في شتى المجالات الحيوية لتتولى إدارة الدفة في هذا المنعطف التاريخي الفريد نحو «الكوزموبوليتانية»، كما كانت هنالك مبادرات كريمة لرعاية وتنمية التراث والثقافة الوطنية بشكل أمثل يراعي إبراز واستدامة مساهمة الإنسان الإماراتي في صنع التاريخ، وكانت هنالك استغلال وتخصيص أمثل للفوائض والعوائد المالية في تشييد بني تحتية ثقافية راسخة ووطيدة تسهم بدورها التنويري على مستوى الإمارات والخليج والوطن العربي والعالم، ناهيك من تنظيم المسابقات التراثية التي تحيي التراث الوطني والفولكلور الشعبي وتسوقه بفخر واعتزاز على نطاق إقليمي وتشجع الشباب الإماراتي إلى التحفز للمشاركة بتنافسية وتحمس منقطع النظير، ونذكر منها مسابقة «الميدان» وغيرها من وسائل فاعلة قد تشكل استجابة تراثية وثقافية أصيلة في مواجهة تحدي المد العولمي الجارف على الساحة الإماراتية!

ولكن ماذا عنا نحن هنا للبحرين؟! وكيف هي خصوصية استجابتنا الأصيلة لتحدي الانجراف العولمي الموعود وتساقط أوراق الهويات المستضعفة على صعيد العودة إلى الثقافة الأصيلة والتراث الوطني والفولكلور الشعبي؟!

وحين الحديث عن الفولكلور وهي مفردة عريضة وواسعة تحتوي مختلف قطاعات الإنتاج والتصوير الثقافي الذي يترجم مختلف أشكال العلاقة الحضارية الأصيلة الدائرة تاريخيا بين الإنسان والبيئة وما يسودها من تفاعل إبداعي خلاق، وهي حقل وقطاع أكاديمي (Folkloristics) أصبح له في المؤسسات الأكاديمية العريقة في البلدان الغربية احتفاءه الخاص، وله باحثيه ومتخصصيه الذين قضوا ما يزيد عن الثلاثة عقود في ميادينهم البحثية والإنتاجية!

ولو أردنا السؤال عن حال التراث والفولكلور الشعبي في البحرين لا بد من أن نطرح سؤالا عن حال الإنسان البحريني وعن حال البيئة البحرينية وحال المؤسسة البحرينية قبلها!

هل الإنسان البحريني لازال عجلة إنتاجية - واستهلاكية مفرغة لا تعني لها فنونها وفولكلورها الشعبي سوى هذيانا حميميا يلهث على أمانة غالية وثقيلة جدا قد تم التفريط بها وتضييعها؟!

هل بإمكاننا الحديث عن خزين من الكوادر والموارد البحرينية الفنية المبدعة في مجالات الفنون الشعبية والفولكلور البحريني، والتي تم تفريغها بالكامل لذلك؟!

كم هو عددها؟!

هل تم تدريبها وتطويرها؟!

وبالنسبة للمؤسسة البحرينية فما هي إستراتيجيتها العملية والمتكاملة للنهوض بالتراث الوطني والفنون الشعبية وتسويقها عالميا؟!

وما هو حجم البنى الثقافية التحتية والمرافق الأساسية المخصصة لتنمية تلك الفنون الشعبية ومختلف مجالات الفولكلور البحريني؟!

وما هو العدد المتبقي لدور الفنون الشعبية في البحرين؟! وأين هم أصحابها؟! وما هي أحوالهم؟! وما هو مستوى الدعم الذين يتلقوه من قبل الجهة المعنية بمتابعتهم والإشراف عليهم وتنميتهم وتسويق إنتاجهم الثقافي والفني إقليميا وعالميا؟!

دعونا نكف قليلا عن سفاهة الحديث عن «دعم» و»نهوض» بالفنون الشعبية والفولكلور البحريني عبر «حتة» ترضيات، وساعة من مجاملات المنة والرنة و»اللوص»، وعن تكريم متأخر جدا للفنانين البحرينيين أشبه ما يكون بضرب أهل الفن ومواده وخاماته ببعضهم البعض والتخلص منهم جماعيا، كما هو قد يشبه منظر فنان بحريني كبير يفتح الأغلفة عن هدية تكريمه، فينبهر بالهدية لكونها مسجلة أساسا ضمن ممتلكات المتحف الوطني وقد أهديت له!

فهل هنالك توجه لإثراء هذا الفولكلور بتعدديته الأصيلة المستمدة من بيئات بحرينية مختلفة، أم هو للأسف تكريس لنمط واحد قد يكون الضحية الأخيرة التي تم إنقاذها من طوفان الإهمال والنسيان أو ربما التصفية حتى تستقر الأمزجة؟!

دعونا نتوقف عن تلميع وتسويق لــ»إنجازاتنا» في استقطاب رضا المؤسسات الدولية في مجال الفنون الشعبية وحصادنا التشريفات والتصنيفات والتكريم والأوسمة العالمية، فنحن بالكاد نفقد ذخيرتنا الثقافية والتراثية الواسعة، وبالكاد نفني فنوننا الشعبية الحضارية ونفك عقدة الكراهية لفولكلورنا البحريني، فيصبح حال المتباهين كحال من كانت ولا تزل هوايتهم جمع الأوسمة والجوائز والصور مع عظماء ومشاهير القرن دون أن يقدروا على أن يعطوا لذلك تفسير وشرح من سطر واحد، أو أن يتقدموا خطوة واحدة أمام مجابهة أقرب التحديات الوطنية الحتمية التي تهدد التراث والثقافة والفولكلور الوطني!

إن كان حديث الأهواء والأمزجة الفردية المفروضة على معاشر المثقفين والمهتمين من قبل من يهمه الأمر قسرا وجبرا يعتبر الفن الشعبي والفولكلور «إيفشل» وليس جديرا بأن يعتز ويفتخر به، ولا يصلح للترويج والمباهاة عالميا، فإن تلك الأهواء الفردية لا تمثل إلا إدانة لصاحبها ومؤسسته المعنية بالنهوض بالثقافة والتراث الوطني وتنميته والنهوض به، فأين هو دوره وجهده في تنمية وتطوير تلك الفنون الشعبية والفولكلور الوطني والمباهاة بها على الأقل في ما يوازي جهود الأشقاء الخليجيين وإن كان قدرنا تصدير واستهلاك النسخ الكربونية المقلدة!

الغريب في الأمر أن من استضاف الأوركسترا السلطانية العمانية وشاهد على المنصة إبداعاتها الراقية في عزف أرقى المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية الخالدة لكبار الفنانين العالميين، وقبلها اعتزاز أفرادها من النساء بارتداء اللباس العماني التقليدي أثناء العزف، يبدو أنه لم يخالجه ويشاغبه أدنى هاجس إعجاب واعتبار لكيفية احتفاء الشعوب بأصالتها التراثية وهويتها الثقافية وإن كانت في فوهة العالمية!

وإن من احتضن أرقى الفرق الفنية العالمية التي تتباهي وتبدع حد الإبهار بأدائها المقدس والخاشع لرسالة الفن والفولكلور الشعبي لكأنما هي منسك من المناسك الشعائرية، ومنهم من استطاب واعتز أمام آلاف المشاهدين أن يعود بملابسه إلى حال إنسان الغاب ليعبر بفخر عن جذور هويته، ومن رأى كيف أنها دخلت بقوة في عالم التكنلولجيا الموسيقية والصوتية والإيقاعية الحديثة للنهوض عالميا بفنونها الشعبية وفولكلورها الوطني نستغرب أنه لم يسع جاهدا للاستفادة من نجاح تلك التجارب والتعاقد مع أصحابها لاستنهاض وإحياء فنوننا الشعبية وفولكلورنا الوطني المجني عليه!

كيف نستغرب حجم ذلك المقت والنفور من التراث الوطني والفن الشعبي والفولكلور البحريني الأصيل، ونحن أمام فرد لا يتردد عن إقصاء وتهميش وإذلال خيرة الكوادر البحرينية الأصيلة المتعلمة والمتمرسة ميدانيا من الواجهات وساحات عرض الإنجازات بحجة أن هذه الكوادر البحرينية النسائية مظهرها غير حضاري لكونها تتمسك بارتدائها الملابس البحرينية التقليدية من «حجاب» و»عباءة تقليدية»؟!

فإن كان من يهمه الأمر مصرا على مزاولة اغترابه عن المجتمع البحريني العربي المسلم، وترسيخ كراهيته لذاته وأصله وقطع علاقته مع الجذور والينابيع التراثية والثقافية الأصيلة المتدفقة فطريا من باطن نضالات وتضحيات الإنسان البحريني، فتلك مشكلته لوحده و»شلته»، أما بالنسبة لنا وغيرنا الكثير، فإننا نريد أن نكون جزءا من ذاتنا أولا قبل أن نكون جزء من فرنسا أو أميركا وغيرها، أو بالأحرى جزء من شركة فرنسية وأميركية وغيرها، فلا أسوأ من الاغتراب وأنت في بلادك ودارك وبين أهلك وأحبابك!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1963 - الأحد 20 يناير 2008م الموافق 11 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً