ملحق «الوسط السياسي» المنشور مع عدد اليوم تم تخصيصه للاحتفال بالذكرى الستين لليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو يوم يحل في 10 ديسمبر / كانون الأول، ولكن بسبب العطل البحرينية في هذه الفترة فقد فضلنا نشره اليوم.
في مطلع التسعينيات من القرن الماضي ساد اعتقاد لدى كثير من الناشطين في مجال حقوق الإنسان بأن نظاما عالميا جديدا قد بدأ بعد عاصفة الصحراء وتفكك منظومة الدول الأوروبية الشرقية واعتماد أجندة حقوق الإنسان ضمن السياسات الرئيسية للأمم المتحدة. في تلك الفترة كان مجرد النطق بمصطلحات حقوق الإنسان ترسل الشخص المتحدث أو الكاتب إلى السجن. فمصطلحات مثل «منع التعذيب»، «منع التمييز»، «ضمان كرامة المواطن»، «انتخابات»، «مساواة»، «برلمان»، «مجتمع مدني»، «منع الاعتقال العشوائي»، «الحد من قوانين الطوارئ وأمن الدولة»... إلخ، كانت كلها من المحرمات. وفي البحرين لم يكن يجرؤ أحد على كتابتها في الصحف، أو التحدث بها في العلن، اللهم إلا إذا كان من المناضلين والمتصدين لإصلاح الأوضاع.
اختلف الوضع حاليا، فهذه المصطلحات تتسابق الجهات الحكومية للتغني بها وتزايد بها على المعارضين، والمجتمع المدني أصبح «مجتمعين»، واحدهما مجتمع مدني حكومي (جمعيات الغونغو)، وهذا تسخّر له إمكانات الدولة لإبرازه في كل محفل محلي أو إقليمي أو دولي. الانتخابات أيضا موجودة، وكذلك البرلمان والبلديات، ولا وجود لمحاكم أمن الدولة أو قانون أمن الدولة، وهذا بلا شك يعتبر تقدما بالنسبة للماضي. وهذا يدعونا إلى إعادة النظر فيما تم تحقيقه أو الفشل في تحقيقه في الذكرى الستين لإعلان حقوق الإنسان.
في اعتقادي أن الإنجازات التي تحققت في نهاية التسعينيات من القرن الماضي ومطلع القرن الحالي تم احتواؤها، وربما إرجاعها إلى الوراء قليلا، وهذا يعود إلى عدة أسباب. فمن جانب أدت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية إلى تغليب أجندة مكافحة الإرهاب على أجندة حقوق الإنسان، وهذا أثر على الأولويات التي تم الاتفاق عليها دوليا في مطلع العقد التسعيني.
وهناك أيضا سبب آخر يتعلق بإدارة بوش الأميركية التي تسلمت رئاسة القوة العظمى الوحيدة منذ مطلع العام 2001، وهذه الإدارة ارتكبت حماقات وأخطاء لا حصر لها، من بينها طرح إيديولوجية المحافظين الجدد التي تؤمن بأن القوة أساس كل شيء، وممارسة الأميركان للتعذيب في سجني غوانتنامو وأبوغريب وفي سجون أفغانستان وباكستان وفي السجون الطائرة، ما شجع الحكومات الأخرى على أن تخترق حقوق الإنسان تحت ذريعة أن أميركا تفعل ذلك أيضا.
وإذا نظرنا على المستويات المحلية في دول المنطقة، فسنجد أن كثيرا من الحكومات أخذت بأشكال الديمقراطية وحقوق الإنسان ولكنها أفرغت المحتوى وعكسته بشكل خادع ومحترف، بل إنها أحيانا زادت من ممارسات التمييز وممارسة مختلف أنواع انتهاكات كرامة الإنسان. مع كل هذا وذاك، فإننا ننظر إلى المستقبل بتفاؤل، لأن السياسة الأميركية الخاطئة ارتدت عليها، والأزمة المالية العالمية من شأنها أن تعيد العقل إلى بعض ممن استغنوا وطغوا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ