العدد 1962 - السبت 19 يناير 2008م الموافق 10 محرم 1429هـ

الخصخصة في مصر أمام التحدي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام أكد وزير المال المصري، يوسف بطرس غالي، أن بلاده لاتزال مستعدة ومصممة على استكمال خطوات الخصخصة في البلاد غير أن جعبة الحكومة بدأت تفرغ من الامتيازات والملكيات الكبرى المؤهلة للتخصيص.

ولفت غالي، في حديث إلى برنامج «أسواق الشرق الأوسط» الذي تبثه محطة CNN إلى رغبة القاهرة في تقديم ثمار الإصلاح الاقتصادي إلى الشرائح التي تعيش دون خط الفقر والتي تبلغ 20 في المئة من إجمالي الشعب، مشيرا إلى أن عجلة الإصلاح السياسي انطلقت بدورها وهي مرتبطة بالإصلاح الاقتصادي، غير أنها تسير بديناميات عمل مختلفة.

وفي رده على سؤال عن إمكانية أن تقوم القاهرة بخطوات جديدة للخصخصة، تشبه ما سبق وقامت به في مصرف الإسكندرية، الذي بيعت 80 في المئة من أسهمه إلى مصرف سان باولو الإيطالي، ورخصة الهاتف المحمول الثالثة، التي بيعت إلى «اتصالات» الإماراتية، أكد غالي إصرار القاهرة على متابعة هذه الخطوات. وقال غالي: «الإرادة السياسية لاتزال موجودة لكن السؤال يبقى بالنسبة إلينا: هل هناك قطاعات لاتزال مفتوحة بهذا الحجم للخصخصة؟».

وراهن غالي على أن «مرونة» الاقتصاد المصري ستتيح للحكومة مد يد العون إلى الشرائح التي تعيش في فقر مدقع خلال فترة قصيرة، وذلك اعتمادا على أن تعديلات الرسوم والضرائب التي أقرتها الحكومة رفعت الاستثمارات الأجنبية خلال 3 أعوام من 450 مليون دولار إلى 11 مليار دولار دفعة واحدة. واعتبر أن هذه المؤشرات دليل على وجود فرصة حقيقية أمام الحكومة لإنجاح مشروع تنمية القطاعات الفقيرة من المجتمع خلال فترة محدودة.

لكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن قضية الخصخصة في مصر، وخصوصا في القطاع المصرفي، لاتزال مثار جدل ونقاش بين مؤيد ومعارض، وتحديدا بعد أن شرعت الحكومة في تعزيز التشريعات التي رفعت القيود التي كانت مفروضة على غير المصريين، بالنسبة إلى تملك رؤوس أموال المصارف العامة ‏والخاصة. فقد كان لا يجوز لغير ‏المصريين تملك أكثر من 49في المئة من رأس مال المصارف المشتركة والخاصة لأي بنك.‏ ففي الوقت الذي اعتبر فيه مدير المركز العربي للدراسات المالية والمصرفية، نبيل حشاد، «قرار دمج بعض المصارف قرارا صحيحا، إذ يساهم في خلق كيانات مصرفية قوية»، رد عليه علي نجم، رئيس أحد المصارف بأن عملية الخصخصة تقلل من شأن مصارف‏ ‏القطاع العام في مصر وقيمتها.‏

وحذر حشاد من مغبة ذلك قائلا: «إنه ينبغي عدم البدء بخصخصة المصارف الأربعة الكبرى المملوكة ‏‏للحكومة، وينبغي أيضا إصلاح المصارف أولا، والتريث في مسألة خصخصتها من خلال إعداد دراسات ‏متعمقة في الموضوع».

بشكل عام ولكي تصل مصر إلى ما تطمح إليه على صعيد الخصخصة، لابد لها من معالجة بعض المشكلات التي تقف في وجه ذلك، فقبل سنتين أكدت تقارير للبنك الدولي ضرورة انتقال مصر إلى مرحلة تحرير ‏الخدمات المصرفية كي تستطيع الوقوف أمام المنافسة التي تفرضها العولمة، وإعطاء فرصة للقطاع الخاص للدخول إلى هذا المجال.‏ ‏

كما كشفت دراسات خاصة أجراها البنك الدولي بمناسبة مرور‏15‏ عاما على برنامج الخصخصة المصري أنه على رغم انخفاض سيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي في السوق المحلية، فإن الشركات العامة لاتزال تستحوذ على بعض القطاعات الاقتصادية المهمة‏.‏

وقال البنك في تقرير له‏:‏ «إن مرحلة الاقتصاد التي يهيمن فيها دور الدولة على مقدرات النظام الاقتصادي، اتسمت بتبني استراتيجية اقتصادية انغلاقية، والاعتماد الشديد على الاستثمارات العامة المخططة مركزيا كمحرك رئيسي لتحقيق النمو، أما المرحلة الانتقالية التي تبلغ الآن من العمر نحو ‏15 عاما فقد تميزت بتباين في مدى شدة وإصرار الجهود المبذولة في مصر ومختلف بلدان المنطقة للمضي صوب اعتماد أنظمة اقتصادية أكثر انفتاحا، كما شهدت تعزيزا مقابلا في دور القطاع الخاص‏.‏

وقال البنك‏:‏ إن ذلك يتطلب العمل على ثلاثة محاور رئيسية، هي‏:‏ تسريع وتيرة الانفتاح الاقتصادي، والتخلص من الاقتصاديات التي يهيمن عليها القطاع العام إلى اقتصادات يقودها القطاع الخاص، ومن اقتصاديات تستحوذ فيها الصناعات النفطية على معظم نشاطها إلى اقتصاديات متنوعة النشاط‏.‏

وقال البنك الدولي إنه بالنسبة إلى مصر وبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإنه خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بلغت عمليات الخصخصة ‏310‏ عمليات بإجمالي‏20‏ مليار دولار‏.‏

كما يقول خبراء في المجال المصرفي، إن مصر لابد أن تسرع بإدخال إصلاحات جوهرية على ‏جهازها المصرفي مع اقتراب تطبيق مقررات لجنة (بازل 2)، والتي ستصبح واجبة التطبيق في مطلع العام 2007، إذ تحدد معايير كفاية رأس المال وغيرها من الشروط.‏ ‏

لقد حقق الاقتصاد المصري انطلاقة حقيقية خلال العام 2005، الذي شهد انطلاق الجيل الثالث من خطوات وقوانين الإصلاح الاقتصادي وفقا لفلسفة جديدة قوامها القواعد التي يسير عليها الاقتصاد العالمي والاعتماد على المشاركة بين الدولة والمواطن، والذي تمثل في إصدار وتعديل التشريعات الخاصة بالضرائب على الدخل، والجمارك وغيرها من القوانين التي عملت على حفز وتشجيع الاستثمار.

لكن هل ينجح كل ذلك في تلبية حاجات الفئات الأكثر احتياجا كما يقول الوزير؟ ... ذلك سيكون التحدي الحقيقي أمام مشاريع الخصخصة المصرية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1962 - السبت 19 يناير 2008م الموافق 10 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً