المتتبع لما يحصل ويدور على الساحة المحلية من أخبار، يرى أن ما يطالب به المواطن العادي من حقوق تحفظ له كرامته الإنسانية والمعيشية، لا تتحقق إلا في حال احترق منزله أو تهدم أو لقي معظم أفراد عائلته حتفهم في حادث أو كارثة بصورة فجائية وطرقت القضية صفحات الصحف اليومية.
إذا، الوصفة السحرية لتحقيق هذه المطالب المعيشية وهذه الحقوق للمواطن هي أن تتعرض إلى مأساة ثم تتكرم الدولة بتوفير ما يلزم عبر ما يسمى بـ “مكرمات” على رغم أن هذا “حق” وهو واجب من واجبات الدولة أمام المواطن الذي يدفع بدوره رسومه وضرائبه مقابل الخدمات التي توفر له.
وهو ما يعني أن الحلول لا تأتي عبر الهدايا والمساعدات الآنية، لكونه أسلوبا خاطئا لا يتناسب مع النهج الديمقراطي ولا الإصلاحي، فالدول التي سبقت البحرين في سن دعائم النظام الديمقراطي والتكافل الاجتماعي لا تستخدم مثل هذه الأساليب المسكنة، لأنها حلول مؤقتة وليست مبنية على استراتيجيات صحيحة طويلة المدى.
فلا يمكن أن نصلح جانبا ونترك آخر وخصوصا أن مسألة تحقيق العدالة الاجتماعية لا تتحقق بهذه السهولة وبتلك الصورة وهو ما يعبر بوضوح عن وجود خلل في مسألة تفعيل حقوق المواطن التي تعتبر الحقوق “المدنية والمعيشية” جزءا منها.
هذا الكلام قد يثير حفيظة بعض المسئولين في الدولة، لكن هذا هو ما نلاحظه في واقعنا الحالي الذي يعايش تطرفا في الطقس كما هو تطرف في الغلاء وفي الحقوق أيضا، والأخيرة مازالت أسيرة المزاج الخاص والممارسات التي لا ترتقي إلى ما يقال ويردد عن نبذ التمييز وسن الديمقراطية.
فمن حادث المنزل المحترق في المحرق وصولا إلى السيدة الطاعنة في السن من أهالي سترة التي لم تر من سبيل آخر لحماية نفسها من برد قارس سوى اللجوء إلى لف رأسها الذي أتعبه الزمن بغطاء السرير (البرنوص) بسبب تردي إمكاناتها المعيشية... هذه الأمثلة لن تكون الوحيدة في مجتمع من المفترض أن ينعم بمستوى اقتصادي لا بأس به من الرفاهية على اعتبار أننا دولة نفطية!
نعلم أن هناك الكثير والكثير من الأوضاع الإنسانية الرثة وقليلة الحظ المتفشية في مناطق مختلفة من البحرين، وقد يستغرب الزائر الغريب أن دولة مثل البحرين الغنية بثرواتها لا تستطيع أن تضمن حقوق المواطن، إلا إذا أثيرت قضيته عبر الصحافة التي قد تلقى صدى أو تهمل.
ويكفي أن نرى ما يحدث في بعض دول الجوار النفطية، إذ إن مسألة تدليل المواطن “واصلة حدها” بينما لدينا في البحرين - وللأسف الشديد - تدليل الأجنبي المتجنس “واصل حده” والطبقة الوسطى في طريقها إلى الانقراض، ولا يمكن أن نعتبر ذلك مبالغة بقدر ما هو حقيقة قاسية وغير عادلة.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1962 - السبت 19 يناير 2008م الموافق 10 محرم 1429هـ