يعوّل كثيرون على استمرارحراك 2008 لتحريك المياه الراكدة في اتجاه أفضل، فالبحرين تُعتبرمن الدول القليلة في العالم التي يسلم فيها الشخص الذي يتسلّم منصبا تنفيذيا سواء أصاب أم أخطأ، ولعلّ التغييرات الوزارية المفاجئة الشهرالماضي، والرسائل المتبادَلة بين رموزالقيادة السياسية تعطينا أملا بأنّ مثل هذا النمط قد يتغيّر.

التغييرات الأخيرة (الصغيرة) وتبادل الرسائل يمكن أنْ ينظر إليها بصورة إيجابية حين استمرارها بهدف تجديد الدماء في أجهزة الدولة التنفيذية بما يتلاءم وطموحات الناس التي عبّرعن كثير منها مشروع جلالة الملك منذ انطلاقته العام 2001.

إنّ ما نراه من خلال ما جرى في الفترات الماضية هو أنّ الملفات المعيشية لا تقل أهمية عن الملفات السياسية، بل إنّ حلحلتها ستؤثرعلى الخطاب السياسي بشكل مباشر. وعليه، فإنّ الأمل في العام 2008 بأنْ يأتي ببعض النتائج التي يتوقعها المواطنون بشأن الإسكان، مثل إكمال جزء من المدينة الشمالية وتوزيع الوحدات على أهالي المنطقة المحتاجين الذين صبروا طويلا، وكذلك توزيع وحدات إسكانية في مختلف مناطق البحرين، وتسهيل القروض على المواطنين، وربما منع تداول الأراضي في عدد من المناطق لكي لا ترتفع الأسعار فوق مستوى معيشة أهل البحرين، وزيادة بناء البيوت الآيلة للسقوط (وهو ما يحدث حاليا بشكل مشهود).

مشكلة ارتفاع الأسعار ومواجهة كلف الحياة وأعبائها لايمكن إغفالها، وتأتي الاحتياجات الرئيسية للمواطنين في حدود ما يقدرعليه أهل البحرين الذين يعيش أكثرهم في مستويات دون المتوقع وخصوصا أنّ البحرين من أغلى بلدان المنطقة، كما جاء ذلك في تقرير الايكونوميست أخيرا. كما لا يمكن للحكومة أن تلقي الأسباب على ما يجري في العالم بشأن الأسعار (انخفاض سعر الدولار)... فنحن نعيش في منطقة تتعامل مع الدولار أساسا، والواقع أنّ الغلاء يزداد أكثر مما هو متوقع، والتزامات المواطنين تزداد، والرسوم تزداد، كما هو حال زيادة استقطاع الاشتراكات التقاعدية من 15 إلى 18 في المئة، وهذه سترتفع بعد فترة إلى 24 في المئة، اضافة الى دفع 1 في المئة للمساهمة في صندوق دعم العاطلين عن العمل.

وإذا نظرنا إلى واقع الخصخصة التي ستطال خدمات أساسية باستمرار، فإننا أيضا نقرّ بأنّ الخصخصة اتجاه عالمي يجب علينا أن ننتهجه، ولكن ما هو غير واضح هو كيفية منع التلاعب بالأسعار ومنع تدهور الخدمات التي نشاهد جزءا منها في تراكم القمامة في كلّ مكان تحت عنوان الخصخصة.

تحرير سوق العمل بدأ يؤثرعلى زيادة المعاشات للأجانب، فمثلا، أصبح المحاسبون الذين يأتون من الهند يَطلبون الآنَ معاشات مضاعفة عن السابق، وفي الوقت ذاته لا توجد برامج محفزة لكي يشتغل المواطنون بدلا من الأجانب في مثل تلك الوظائف .

إننا بحاجة إلى دماء جديدة في الهيئات الرسمية التي تتولى مسئوليات عدة، فما لدينا هو تركة لماضٍ قديم وإجراءات استوردناها من مصر في السبعينيات، وهي إجراءات اشتراكية (عندما كانت مصر اشتراكية)، ولدينا خليط من الأنظمة والقوانين بعضها رأس مالي متطرّف وبعضها اشتراكي متطرّف، وبين هذا وذاك لدينا دماء متخثرة واحتكارات وممارسات فاسدة مسكوت عنها، وآن الأوان لتحريك المياه الراكدة.