ليست السياسة فقط عن الكلمات والأفكار، بل يجب أنْ تتعلق بالعمل.
شكّل مؤتمرالمانحين للفلسطينيين الذي عقد حديثا في باريس يوما وضعت فيه دول المجتمع الدولي جماعيا، أموالها مكان كلامها، والتزمت بدفع أموال هناك حاجة يائسة إليها إذا ارتأى الفسطينيون إعادة بناء اقتصادهم واتخاذ خطوات إضافية على الطريق إلى السلام.
كنتُ مؤخرا في زيارة لـ «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلّة وأجريت محادثات مع الرئيس عباس ورئيس الوزراء سلام فيّاض. التحديات التي يواجهانها ضخمة لا يمكن التغلب عليها إلاّ إذا قمنا نحن أعضاء المجتمع الدولي بإسراع الخطى للعمل مع الفلسطينيين في الشهورالمقبلة.
وأطلعت على بعض هذه التحديات مباشرة. رأيت المعاناة الحقيقية التي يتحمّلها الشعب الفلسطيني يوميا على شكل عوائق وحواجز فعلية واقتصادية.
من الأمور التي تخنق الازدهار والنمو الفلسطيني كذلك الأمهات والآباء غيرالقادرين على تحقيق الدخل الكافي للعناية بعائلاتهم في بيئة تساهم فيها الحواجز ونقاط التفتيش في عملية الخنق هذه. قابلت أسرة لها ابنتان عمرهما أربع وست سنوات، تقيم على بعد 25 ميلا من البحرفقط، ولكنهما لم تريا البحر؛ لأنهما لا تستطيعان السفر إلى هناك.
لقد اكتنفت تاريخ العملية السلمية أعمال دموية بشعة وآمال بفجر زائف، ولكنني أعتقد بوجود حالة من التفاؤل الحذر إذ أنّ لقاءنا في باريس يسعى لأنْ يبني على التطوّرات التي حصلت حديثا.
أرسل إعلان الرياض في مارس/ آذار الماضي قواعد الأسلوب، معيدا التأكيد على مبادرة السلام العربية ومعبّرا عن تصميم جامعة الدول العربية على إيجاد حل سلمي للنزاع.
اتخذ الرئيس عباس ورئيس الوزراء أولمرت في مؤتمر السلام بأنابوليس بعض الخطوات الأولية قدما وهما يقودان وفديهما إلى طاولة المفاوضات، يراقبهما ويدعمهما ممثلون عن المنطقة بكاملها. علينا الآنَ أنْ نقوّي التقدّم الهش الذي تم تحقيقهُ في ثلاثة مجالات مميّزة:
أوّلا، آمل بصدق أنْ يقوم مانحون آخرون بمكافأة شجاعة عباس وأولمرت بوعود حقيقية سخية ملموسة. تعتمد عملية السلام على سلطة فلسطينية فاعلة وعاملة. لقد ذكر رئيس الوزراء سلام فيّاض أنه يحتاج إلى 5،6 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. ويدعم هذا الطلب إطار استراتيجي قوي مكلف له صدقيته يتخذ شكل خطة إصلاح وتنمية فلسطينية، قامت بإقرارها مجالس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. السلطة الوطنية الفلسطينية تلعب دورها. يتوجب على المانحين من الدول كافة، بما فيها الشركاء العرب أنْ يظهروا إلتزامهم حيث إن ذلك باستطاعتهم.
ثانيا، تشكّل خطة الإصلاح والتنمية بداية جيّدة على برنامج السلطة الفلسطينية الإصلاحي الطموح والضروري. ولكن عندما تحدّثت إلى الرئيس عباس ورئيس الوزراء فيّاض الأسبوع الماضي أدركا أنّ تلك هي البداية فقط. حتى يتسنّى الحفاظ على هذه الثقة سيتوجب على السلطة الفلسطينية أنْ تتخذ خيارات صعبة؛ لتكمل الطريق الصعب، وخصوصا في المجال الأمني.
المملكة المتحدة على استعداد؛ لأنْ تلعب دورها في المساعدة على حصول ذلك. بالإضافة إلى الدعم السياسي الذي نقدّمه للعملية، لقد تعهدنا بتوفير 243 مليون جنيه خلال ثلاث سنوات للمساعدة على بناء المؤسسات الفلسطينية وإنعاش الاقتصاد المرتبط بالتقدّم في عملية السلام. سيكون لهذا التمويل أثر إيجابي إذا كانت هناك تغييرات حقيقية في «الوقائع على الأرض». على سبيل المثال، إذا لم يتم تخفيف القيود على الحركة والتنقل، فإنّ قدرة القطاع الفلسطيني الخاص على النمو وتوفير فرص العمل ستكون محدودة.
وثالثا، وكما قال الرئيس بوش في أنابوليس، يتوجّب على «إسرائيل» أن تثبت التزامها من خلال إيقاف التوسّع الاستيطاني وإزالة البؤرالاستيطانية الأمامية. وهذا أمرأساسي لإنشاء دولة فلسطينية قادرة على البقاء.
أعلم أنّ هناك بعض المشككيين في ما يتعلق بهذه الخطوة الأخيرة في العملية السلمية. وأنا على وعي كبير كذلك بالوضع الإنساني المتدهور في غزّة. ولكنني أومن كذلك بأنه يتوجّب علينا الوقوف بصلابة وراء هذه الفرصة من أجل السلام. هناك حاجة ماسّة اليوم للدعم المادي والسياسي من قبل المجتمع الدولي. بما في ذلك الدول العربية حتى يتسنّى إبقاء هذه الفرصة حيّة.
* عضو في البرلمان ووزيرالدولة لشئون التنمية الدولية في المملكة المتحدة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1962 - السبت 19 يناير 2008م الموافق 10 محرم 1429هـ