شاركتُ حديثا في ورشة عمل خبراء حقوقيين عرب وممثلي جامعة الدول العربية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية عن سبل تفعيل الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وقد نظم الورشة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
من المهم التذكير هنا إن ميثاق جامعة الدول العربية - الصادر العام 1945 والمعمول به الآن من دون تغيير سوى الغالبية المطلوبة للتصويت على القضايا غير الجوهرية - لا يتضمن أي نص عن حقوق الإنسان والحريات العامة.
وبعد ثلاثة عقود - أي العام 1994 - صدرت المُسَوَّدة الأولى للميثاق العربي لحقوق الإنسان. ولم تتم مناقشتها أو التصويت عليها أو إقرارها حتى العام 2004. وصيغتها سيئة جدا. جرى إهدار عقود من دون إقرار ميثاق وآليات عربية لحقوق الإنسان؛ مما يدل على أن حقوق الإنسان العربي ليست أولوية لدى النظام العربي الرسمي ممثلا لجامعة الدول العربية وهي عرضة للاستباحة بتوافق عربي رسمي، وتعاون وثيق بين وزراء الداخلية العرب، الأنجح في التعاون العربي الرسمي.
تضافرت عدة عوامل لإعادة إحياء الميثاق العربي لحقوق الإنسان. وفي مقدمتها موجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي اجتاحت العالم منذ التسعينيات، ثم التوجه الجديد للسياسة الأميركية خصوصا والغربية عموما بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حيث تعرضت الدول العربية بمختلف تلاوين أنظمتها لضغوط أميركية وغربية لإدخال إصلاحات في أنظمتها؛ لكي تواكب الموجة العالمية، التي تولّد في نظر الولايات المتحدة الإرهاب والتطرف، بما يقتضي ذلك من انتقال إلى حكم الآليات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والحكم الرشيد، وحكم القانون وغيره.
أما العامل الثاني فهو إن تسلم وزير خارجية مصر السابق عمرو موسى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربي أحدث تغييرا مهما في تفكير الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وأولوياتها وآليات عملها نحو الأفضل. وقد أولى موسى أهمية كبيرة بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. من ذلك تحويل قسم حقوق الإنسان إلى دائرة تتوافر لها الإمكانات. وأناط رئاستها بمحمود راشد المعروف بحماسه لحقوق الإنسان والتعاون مع منظمات المجتمع المدني. أما الخطوة المهمة الأخرى فهي مبادرة الأمين العام لوضع ميثاق عربي عصري لحقوق الإنسان يواكب التطورات الكبرى في العالم في هذا المجال. من هنا يمكن اعتبار ميثاق 2004 ليس تعديلا على ميثاق 1994، بل إنه فعلا ميثاق جديد تماما.
المهم في هذا الشأن إن الأمين العام فتح ثغرة في نظام الجامعة العربية المقفل أمام مشاركة منظمات المجتمع. فعمد إلى إشراك منظمات المجتمع وخبراء عرب بعضهم يمثلون جمعيات حقوقية عربية من خلال وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان في صوغ الميثاق. وقد استفاد الأمين العام من أجواء الحماس الظاهرة لدى الدول الأعضاء في الجامعة، حين طرح عليهم الصيغة المتطورة في نهاية 2003. وجرى إقرارها من قبل مجلس السفراء العرب لدى «الجامعة» ثم من قبل مجلس وزراء الخارجية العرب، من دون تعديل. وأخيرا جرى إقرارها في القمة العربية السادسة عشرة في تونس في 23 مايو/ أيار 2004. وهو حدث شكل مفاجأة لنشطاء وخبراء حقوق الإنسان العرب.
على رغم أوجه القصور في هذا الميثاق، فإنه متقدم كثيرا على الواقع الدستوري والتشريعي، وممارسات الدول العربية فيما يتعلق بالحكم والقضاء والحريات العامة وحقوق الإنسان. وعلى رغم إقرار الميثاق من قبل القمة العربية مطلع 2004 ونحن في مطلع 2008 - أي بعد مرور 4 سنوات على ذلك - فإن الدول الأعضاء التي صدقت على الميثاق هي ست دول من بين 22 دولة عربية.
وتشمل الدول الممتنعة عن التصديق كبرى الدول العربية مثل مصر، السعودية والمغرب، على حين المطلوب سبع دول؛ لكي يصبح الميثاق نافذا وملزما للدول العربية المصدقة علية فقط وليس جميع الدول العربية، ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي كانت مملكة البحرين الوحيدة التي صدقت على الميثاق وأودعت وثائق التصديق في 18 يونيو/ حزيران 2006 فيما يتوقع ان تصدق عليه دولة الكويت والإمارات العربية المتحدة اللتان وقعتاه بتاريخ 18 سبتمبر/ أيلول 2006.
إيجابيات الميثاق وسلبياته
لقد عرضت فريدة غلام في مقالين لها في صحيفة «الوسط» بتاريخ 9 و16 يناير/ كانون الثاني الجاري الضمانات التي تضمنها الميثاق فيما يخص حقوق الإنسان والحريات العامة، والحقوق المدنية والسياسية، والحقوق في المشاركة السياسية في الحكم والحق في محاكمة عادلة. ورفض جميع أشكال العنصرية والصهيونية وغيره.
يمكن القول: إن من ايجابيات الميثاق وضع الميثاق وقيمه في إطار القيم الحضارية الإسلامية والعربية وربطها بالقيم الإنسانية السامية لمختلف الحضارات التي شهدها الوطن العربي. وهو بذلك يساهم في تأصيل قيم حقوق الإنسان إسلاميا وعربيا، ويجعل هذه القيم أقرب إلى وجدان الإنسان العربي، ومقاربة ثقافته.
كما أن الميثاق في مقدمته يربط بين حقوق الفرد وحق الأمم في تقرير المصير، أي حقوق الفرد العربي مواطنا أو وافدا وحقوق الشعوب العربية في تقرير مصيرها وإقامة وحدتها القومية، ومن هذا المنطلق رفضه العنصرية والصهيونية. فالعنصرية نفي لحقوق الفرد العربي، والصهيونية نفي لحقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
يتضمن الميثاق ما يأتي:
1. ديباجة تشكل القاعدة الفلسفية والفكرية والعقائدية للميثاق.
2. المواد من (1) حتى (45) التي تتضمن منطلقات ومبادئ وقواعد وآليات حقوق الإنسان في الوطن العربي بمختلف دوله وفي تفاعل هذه الدول مع بعضها بعضا.
من المهم تدقيق المواد الخمس والأربعين وهي بمعظمها جيدة وتتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ولكن هناك موادَّ إما خطيرة وإما قاصرة وإما أنها تسوّغ انتهاك حقوق الإنسان.
3. تنص المادة (7) فِقرة (1) على أن «لا يجوز الحكم بالإعدام على أشخاص دون الثمانية عشر عاما، ما لم تنص التشريعات النافذة وقت ارتكاب الجريمة على خلاف ذلك»، أي أن هذه المادة تسوغ الإعدام أولا ثم إعدام القاصر. وهو شيء خطير ومنافٍ تماما لحقوق الإنسان الأساسية ومنها الحق في الحياة وحق الطفل والقاصر في عدم مساواته بالراشد في عقوبة بعض الأفعال ومنها أعمال القتل العمد.
4. على رغم أن الميثاق ينص على حق مشاركة المواطنين في إدارة شئون بلدانهم، فإنه لا ينص على مشاركة المواطنين في الحكم من خلال ممثليهم المنتخبين كما لا ينص على دورية الانتخابات ونزاهتها وتداول السلطة. وهو ما ينص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
5. لا ينص الميثاق على حق المواطنين في تنظيم أنفسهم في أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني، ودور المجتمع المدني وتنظيماته في الدولة والمجتمع.
6. يتحدث الميثاق أحيانا عن المواطنين وأحيانا أخرى عن السكان، وهنا يجب تحديد الحقوق التي تقتصر على المواطنين كالحقوق السياسية، وحقوق أوسع تشمل المواطنين والمقيمين، والعابرين والوافدين.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ