مهما تكن الآلية التي سيتم بموجبها توزيع الـ40 مليونا المقرة من الحكومة لمواجهة ظاهرة الغلاء في البحرين على المواطنين يجب التأكد من أن المستفيد الأساسي من هذا المبلغ سيكون المواطنين وليس التجار. ولذلك إن أول خطوة يجب على وزارة الصناعة والتجارة القيام بها في هذا الصدد هي تشكيل لجنة لمراقبة الأسعار للتأكد من أن الارتفاعات القادمة في أسعار السلع والمواد الغذائية حقيقية وليست مصطنعة من قبل التجار للاستحواذ على المبلغ قبل أن يصل إلى جيوب المواطنين.
ففي ظل غياب قانون لحماية المستهلك، وفي ظل عدم وجود آلية تتيح للوزارة محاسبة المتلاعبين بالأسعار، فمن المتوقع أن يقوم بعض التجار الجشعين بزيادة أسعار منتجاتهم مهما أكدت الوزارة وغرفة تجارة وصناعة البحرين أن تجارنا هم الأكثر «وطنية» وأن ما يشاع عن جشع بعضهم ما هو إلا فكرة خاطئة يروجها «الحسّاد».
إن ما نشهده من تفاوت أسعار السلعة الواحدة من محل إلى آخر يثبت أن ظاهرة ارتفاع الأسعار ليست ظاهرة عالمية صِرْفة وأن جميع أسبابها خارجية، وإنما هناك أسباب داخلية أيضا مرتبطة باغتنام الفرص، وعلى رغم أن أحدا لا يطالب بتوحيد الأسعار فاقتصاد السوق يفرض حرية المنافسة، ولكن مراقبة الأسعار ومحاسبة المغالين في رفع الأسعار يبقى مبرَّرا، وخصوصا في حال وجود موجة من الغلاء المستمر التي اضطرت المواطنين إلى التقشف و«شد الحزام».
فمهما يكن، لا يمكن لأي مجتمع إنساني أن يضحي بمصلحة الجميع لإرضاء فئة قليلة. كما أن مراقبة الأسعار ومحاسبة المتلاعبين من التجار لا تنحصران فقط في الدول الاشتراكية أو ذات الاقتصاد الموجه. فقد اتخذت دولة الإمارات هذا الإجراء حينما أقرت زيادة في رواتب موظفيها حين حذرت وزارة الاقتصاد حينها المستوردين من زيادة أسعار السلع والخدمات بطريقة غير مبرَّرة. ولم تكتفِ الوزارة بذلك، بل فرضت غرامة مالية على إحدى شركات الوجبات السريعة التي قامت برفع أسعار وجباتها بنسبة 11 في المئة في الوقت الذي رأت الوزارة أن هذه الزيادة غير مبرَّرة.
وزارة «التجارة» لدينا لم تقم بتسجيل أي تلاعب بأسعار المواد الاستهلاكية خلال الفترة الماضية على رغم كثرة الشكاوى من المواطنين من أن هناك بعض المحلات التي تغالي في الأسعار. وكل ما تم ضبطه هو أحد الجزارين الذي قام برفع سعر اللحم على رغم أن اللحوم في البحرين من السلع المدعومة ولا يمكن رفع سعرها في أي حال من الأحوال.
إن المطلوب من الوزارة الآن هو تشكيل لجنة بأسرع وقت ممكن تقوم برصد أسعار جميع المواد الاستهلاكية ومتابعة الزيادة في أسعارها؛ لكيلا تقوم بعض الجهات برفع الأسعار حتى قبل أن تصرف «مساعدة الغلاء».
إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ