لا تفصلنا سوى سنوات قليلة عن تلك المرحلة التي كان فيها على المحتفلين بمراسم عاشوراء التزام الحسينيات والمآتم وسيلة وحيدة للتفاعل مع شعائر وفعاليات هذا الشهر. مرحلة مرت بخصوصيتها لينتقل الاحتفال بعاشوراء إلى مرحلة أخرى يدخل فيها التلفزيون وسيلة متفاعلة مع الحدث، إذ صار بالإمكان أن تنتقل بين فعاليات كثيرة وبسرعة قصوى. فمراسم وشعائر عاشوراء تعرض من أماكن كثيرة، وبطرق متفاوتة عبر الشاشات الصغيرة، لتجعل من عاشوراء حدثا يتفاعل فيه الناس من كل مكان. السر في كل ذلك هو بروز ما يسمى بالتلفزة الحسينية التي تهتم في الأساس بنقل مراسم عاشوراء عبر الاستفادة من القنوات الفضائية وتقنيات البث المباشر عبر الإنترنت.
المهم في الأمر أن متابعة هذه القنوات لا يقتصر على المعتقدين بعاشوراء، إذ تستهوي هذه القنوات عددا لا بأس به من المشاهدين الذين يحبون أن يعرفوا الكثير عن عاشوراء وعن المراسم الخاصة به في المناطق العربية.
القنوات المتخصصة بعاشوراء تتنافس فيما بينها هي الأخرى من حيث برامجها الحوارية أو تغطيتها المتنوعة، إلا أن الجزء الأكبر من التنافس يكاد يكون في مجال الفيديو الكليب الحسيني، إذ تبرز القناة بعرضها الجديد من اللطميات بطريقة الفيديو كليب. لقد سمحت هذه القنوات في جانب ملفت للكثير من الأشخاص بأن يجربوا العمل التلفزيوني ويجربوا حظهم كمراسلين محليين يحاولون في مرات كثيرة تقليد ومجاراة المراسلين المعروفين في محطات عريقة ومعروفة.
ليس هذا كل شيء، فوراء انتشار التلفزة الحسينية شركات إنتاج متخصصة في صناعة مستلزمات العرض التلفزيوني وهي آخذة في التوسع وتطوير أعمالها، إذ لا يقتصر نطاق عملها على الإصدارات المألوفة في الفيديو كليب، بل تسعى لأن تدخل مجال الدراما وإنتاج الأفلام القصيرة المختصة بواقعة كربلاء وغيرها من المناسبات الدينية. ولتحوز تلك القنوات أكبر عدد من المشاهدين فهي تلجأ عادة إلى وضع الشريط المتحرك، إذ يحتوي على إعلانات لمجالس العزاء ويتيح للمشاهدين فرصة إرسال التعازي عبر مسجات أو رسائل نصية (SMS).
وعلى رغم انتشار هذه القنوات الفضائية وزيادة شعبيتها فهناك من يضع بعض الملاحظات على طريقة عملها وما تبثه من مضامين، إذ يرى هذا البعض أن هذه القنوات تحتاج إلى مدة من الزمن كي يتم تطويرها لتنافس القنوات الفضائية الأخرى وتصبح قادرة على تقديم طروحات معمقة تتجاوز الأحاديث الشفهية أو الأفكار البسيطة. ويجر البعض الآخر مساحة النقد إلى المطالبة بتكثيف التقنيات المرئية بصورة أكبر لتضاهي ما يعرض على القنوات الفضائية الأخرى. في حين لا يرى البعض أي مبرر لمثل هذا النقد القاسي فهي لاتزال في بداياتها وغالبيتها تحتاج إلى تمويل أكبر مما هو متوافر حاليا.
لكن، أين تقف هذه القنوات من وسائل إعلامية أخرى أصبحت الآن تقليدية مثل الكاسيت أو أقراص «السي دي» أو حتى من برامج مماثلة تسعى القنوات الإعلامية الأخرى لعرضها وبثها؟
قد تكون الأمور لم تنضج بعد لتقديم إجابة دقيقة، فللكاسيت سوقه الواسعة ومريدوه الذين لا يودون التخلي عنه، ومجاله الذي لم ينافسه شيء فيه بعد، ثم أن قنوات تلفزة عاشوراء لاتزال في بدايتها وأمامها مسار شائك وتنافس قوي جدا قد تكشف الأيام المقبلة عنه.
العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ