قبل ما يقرب من العام صرح وزير المالية الهندي بأن معدلات الفقر في بلاده تتناقص على نحو متزايد وتوقع بأن يتم القضاء عليها بحلول العام 2040، وبنى بالانيابان تشيدامبارام مقولته تلك على الوتيرة السريعة التي ينمو بها اقتصاد الهند. وقال تشيدامبارام: «ستتوافر للناس البيوت، والوظيفة، والغذاء، والملابس، وإمكانية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية». ولم يحاول تشيدامبارام أن يخفي الواقع المأساوي الذي تعيشه الهند، فرأيناه يعترف بأن «25 في المئة من سكان الهند وهو ما يربو على 250 مليون شخص مازالوا يعيشون في فقر مدقع ويتقاضون أقل من دولار واحد في اليوم».
الأمر الذي لا يستطيع أن ينكره أحد هو أن الهند أصبحت قوة اقتصادية عالمية مع متوسط نمو بلغ 8 في المئة في ناتجها المحلي على مدى سنوات الثلاث الماضية وتقترب من ازدهار جارتها الصين. وتعتبر الهند، اليوم، رابع أكبر اقتصاد في العالم حاليّا لجهة تعادل القوة الشرائية، على رغم أن نصيب الفرد من الدخل المحلي الإجمالي لم يتعد 720 دولارا سنويّا.
وأظهرت البيانات أن الاقتصاد الهندي حقق نموا بلغ 9,4 في المئة خلال السنة المالية المنتهية في شهر مارس/آذار 2007، وهو أسرع معدل يسجله خلال 18 سنة ماضية ويعد ثاني أسرع نمو بعد الصين بين اقتصاديات العالم الرئيسية. ويعتبر هذا النمو أقوى أداء للاقتصاد الهندي منذ العام المالي 1988/ 89 حين بلغ نموّا بنسبة 10,5 في المئة وفاق التقديرات الحكومية التي تنبأت بنمو قدره 9,2 في المئة.
وأكدت هذه الأرقام بروز الهند قوة اقتصادية عالمية، كان من أبرز علاماتها شراء شركة «تاتا ستيل» الهندية لصناعة الصلب شركة «الصلب البريطانية الهولندية» (كورس) في أكبر استحواذ تنفذها شركة هندية.
ويبدو أن تشيدامبارام لا ينطلق من الفراغ، بقدر ما يتحدث عن ظاهرة قادمة يمكن تحقيقها ويؤكدها تقرير بعث به مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في مومبي كرشنا فاسفاني ينقل فيه أقوال طالب الهندسة في المعهد التكنولوجي الهندي في مومبي (IIT) آنكيت جاين، الذي يقول: إن «هناك الكثير من معارض التوظيف تجرى في المعهد، جميع الشركات الهندية والغربية الكبيرة بما فيها IBM، و Accenture، و Google، و Infosys ، وTCS موجودة هنا، والرواتب التي تعرض علينا مدهشة إذ تعرض الشركات الأميركية مبالغ تصل إلى 100،000 دولار في العام الواحد فيما تتنافس الشركات الهندية لتوظيفنا مع رواتب عالية وحوافز سكنية وقروض لشراء السيارات وغيرها» ويمثل آنكيت الذي تتكالب عليه الشركات واحدا من 3 ملايين طالب جامعي يتخرجون في الهند سنويّا.
في الوقت ذاته يخطط بنك ICICI، وهو واحد من أكبر المصارف الخاصة في الهند لتوظيف 40،000 شخص على مدى 5 سنوات مقبلة فيما أعلنت شركة «Reliance»، أكبر تكتل صناعي في الهند، في مجال البيع بالتجزئة، أنها تقيم سلسلة من الأسواق المركزية على غرار وال مارت في جميع أرجاء الهند وطفقت تتلقف أفضل الموظفين من الشركات الأخرى. غير أن هذه الوتيرة المحمومة في توسع الأعمال تقود إلى مشكلة حقيقية: ليس هناك عدد كاف من خريجي الجامعات الهندية من أصحاب الكفاءات العالية لشغل الوظائف الشاغرة في الشركات الهندية. ويرى رئيس شركة الاستشارات الموارد البشرية (Mercer Human Resource Consulting ) في الهند آر شنكار أن الهند مقبلة على نقص في المواهب. ويستطرد شنكار قائلا: «انظر إلى قطاع التكنولوجيا وحده، انظر إلى الأرقام التي يسعون إلى تحقيقها - آلاف مؤلفة من الموظفين يتم تعيينهم في وقت قصير. وحدها شركة TCS(تاتا للخدمات الإستشارية) لديها أكثر من 70،000 موظف، وليس هناك عدد كاف من الخريجين المهرة في الهند لشغل هذه الوظائف».
وتقول رابطة تجارة البرمجيات الهندية - ناسكوم - إنه من المحتمل أن يكون هناك نقص نصف مليون موظف في قطاع التكنولوجيا والمعلومات بحلول العام 2010.
وقطاع التكنولوجيا ليس الوحيد الذي يواجه نقصا في الكفاءات إذ أصبح الحفاظ على عمالة جيدة تحديا أمام الكثير من الشركات الهندية. فعلى سبيل المثال شهدت L&T(لاسرن آند توبرو) أكبر شركة بناء وهندسة في البلد تسرب 10 في المئة في عدد موظفيها لصالح الشركات التكنولوجية المتنامية وقطاع التجزئة.
ولربما تلجأ الهند من أجل حل هذه المشكلة إلى استيراد العمالة المهرة من الدول المجاورة على أساس أن ذلك هو أحد السبل أمام الاقتصاد الهندي لسد النقص في الكفاءات.
والمفارقة هي أن هناك ملايين من الهنود العاطلين عن العمل، يعملون في مجالات اقتصادية تقليدية أو في أعمال غير منظمة كالبناء والإنشاء.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ