العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ

النفط يهوي ويهدد بجر إيران إلى الهاوية

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

تتفاوت قدرة الدول المنتجة للنفط على تحمّل الأعباء الناجمة عن الانخفاض في أسعاره والتي فقدت نحو 60 في المئة من حدّها الأقصى الذي بلغته في يوليو/ تموز الماضي وهو 147 دولارا، لكن الأكيد أن إيران هي الدولة الأكثر تضررا في المنطقة والأقل قدرة على امتصاص الصدمة. وقد لا تمس تداعيات انخفاض سعر برميل النفط على وضعها الاقتصادي فحسب، وإنما تمتد لتهدد استقرار نظامها السياسي والاجتماعي.

ومن المتوقع في ظل هذه المعطيات أن تزيد العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن من شدّة الأزمة في طهران وأن يتراجع نفوذها في المنطقة نتيجة شح الإمدادات المالية التي لطالما أغدقتها على محازبيها ومناصريها في البلدان العربية للمساهمة في خلق الفتن والانشقاقات لما فيه مصلحتها ومصلحة مشروعها الإقليمي.

70 إلى 90 دولارا السعر المناسب لإيران

تُعتبر إيران رابع أكبر مصدّر للنفط في العالم وثاني أكبر مصدّر للنفط في مجموعة «أوبك»، وتعتمد على العائدات النفطية بنسبة 80 في المئة من إجمالي دخلها القومي ويشكل النفط نحو 83 في المئة من صادراتها. استطاعت طهران إثر ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية قياسية أن تراكم عائدات تساوي نحو 200 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، علما أن الرقم نفسه استلزمها قبل هذه الفترة نحو 10 سنوات لمراكمته. ويشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن إيران ستعاني من عجز في الحساب الجاري على المدى المتوسط إذا استمر سعر برميل النفط تحت معدّل الـ75 دولارا وذلك بسبب القيود والعقوبات المفروضة عليها. فيما يرى اقتصاديون أن إيران بحاجة إلى أن يكون معدّل سعر برميل النفط بين 75 و90 دولارا حتى تتمكن من موازنة حساباتها وتحقيق فائض.

تداعيات اقتصادية كبيرة

ومن شأن هذا الهبوط أن يحد بالتأكيد من الإنفاق الحكومي ما ينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي المتردي أصلا منذ مجيء أحمدي نجاد إلى الحكم، على الرغم من وصول الإيرادات الحكومية في عهده إلى ثلاثة أضعاف مثيلاتها في عهد خاتمي وذلك لصعود برميل النفط إلى حدود 147 دولارا في الفترة السابقة.

وسيكون على حكومة أحمدي نجاد في هذه الحالة إما تخفيض الإنفاق وبالتالي ازدياد الوضع الاجتماعي سوءا وإما طبع المزيد من العملات وهو ما يعني تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسب التضخم المرتفعة أصلا والتي تعدّت الـ27 في المئة، وإما الاستدانة التي ستشكّل أعباء إضافية حيث يتجاوز مجموع ديون إيران الـ 40 مليار دولار أي ضعف المعدّل الذي كانت عليه في عهد خاتمي علما أن سعر النفط تضاعف ثلاث مرّات خلال عهد نجاد.

تفاقم المشكلات الاجتماعية

ويبدو أن الأزمة آخذة في التحوّل من البعد الاقتصادي إلى البعد الاجتماعي. فهناك شرائح واسعة من الشعب الإيراني اليوم تعاني وتتذمر من سياسة أحمدي نجاد الذي كان وعدهم في العام 2005 بأن يضع عوائد النفط على موائد طعامهم ويقضي على البطالة ويحسّن من الوضع الاقتصادي للطبقات الفقيرة.

هذا مع العلم أن وزير العمل والشئون الاجتماعية في إيران محمد جهرمي كان قد كشف سابقا أن الحكومة تواجه وضعا صعبا بشأن تأمين المستلزمات المالية اللازمة نظرا إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها المباشر على اقتصاد البلاد، وأنه وبسبب هذه الأزمة فقد قررت الحكومة طرد 253 ألف عامل من عملهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وأن الوزارة بحاجة إلى مليارات الدولارات لتأمين الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل، مع الإشارة إلى أن الحكومة ليست لديها أي موازنة مالية تقدمها لهذه الوزارة في هذا المجال.

سخط سياسي على نهج نجاد

وعلى الصعيد السياسي نلاحظ اّن السخط من نهج الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كان قد سبق التذمر الاجتماعي، فقدّم عدد كبير من الوزراء استقالاتهم خلال السنة الماضية احتجاجا على هذه السياسة الفاشلة في إدارة البلاد واقتصادها. فحكومة أحمدي نجاد فشلت في أن تحتفظ بالمليارات التي جنتها خلال السنوات الماضية ولم يبق منها الاّ النذر اليسير الذي لا يكفي حتى لتغطية احتياجات إيران من الوقود المستورد لفترة قصيرة.

ولا شكّ أن السخط السياسي والاجتماعي قد ينعكس على ترشّح أحمدي نجاد في الفترة المقبلة من العام الجديد، حيث من المتوقع أن يعطي الوضع السيئ هذا، إذا ما استمر، دفعة للإصلاحيين وخاصّة أنهم يركّزون على الوضع الاقتصادي حاليا الذي يعتبر من نقاط الضعف البيّنة لسياسة نجاد.

الانخفاض الكبير لمدخرات الصندوق الاحتياطي

وتشير بعض المصادر إلى أن صندوق الاحتياطي الإيراني لا يحتوي حاليا إلا على ما يتراوح بين 7 و9 مليارات دولار، لكنّ المصادر الرسمية لمّحت إلى وجود ما بين 20 و25 مليار دولار في الصندوق، وهو ما دفع بعض الجهات إلى المطالبة بفتح تحقيق وتوجيه تهم إلى حكومة الرئيس نجاد لمساءلته عن إنفاق الحكومة 100 مليار دولار من رصيد الصندوق دون وجهة معلومة.

فساد حكومي ودعم لأذرع إيران الإقليمية

ولا يقف الأمر عند حدود الفساد وإنفاق حكومة نجاد أكثر من 75 في المئة من الموازنة الحكومية على شركات حكومية كبرى مفلسة تقدّم خدمات رديئة جدا للمواطنين (بحسب صحيفة «نوروز» الإيرانية)، إذ تشير مصادر أخرى إلى أن حكومة نجاد أنفقت مبالغ كبيرة من احتياطها على دعم وتعزيز مواقع أذرعها الإقليمية ومناصريها المنتشرين ولاسيما في العالم العربي والذين يشكّلون رأس حربة لها في مشروعها الإقليمي ويعدّون خط الدفاع الأول عنها وعن خططها في المنطقة.

وتشير التقديرات إلى أن الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني على سبيل المثال فقط يقارب الـ 1.2 مليار دولار سنويا، ولا شكّ أن هذا الدعم لسائر أذرع إيران سيتأثر بانخفاض عائدات النفط الإيرانية والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى انكماش أدوات إيران الإقليمية من أحزاب وميليشيات وهيئات وأفراد، حيث سينصب التركيز على معالجة الوضع الداخلي. ومن المؤكّد أن المشاريع الكبرى الداخلية سينالها جزء من الآثار السلبية حيث من المتوقع أن يطال الانكماش في الإنفاق مشروع البرنامج النووي الإيراني.

سقوط عنصر الردع الإيراني

على الصعيد الخارجي، فإن من شأن انخفاض سعر برميل النفط أن يعطي دفعا للقوى التي تريد توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووي الإيرانية، على اعتبار أن إيران فقدت عامل الردع المتمثّل بالأسعار المرتفعة التي كانت تحميها من أي هجوم كما قال بذلك صراحة اللواء محمد علي جعفري قائد قوات حرس الثورة الإيرانية في يونيو/ حزيران الماضي من أن «السعر المرتفع للنفط يشكّل عامل ردع في وجه الأعداء ويحمي البلاد». أمّا اليوم، فتتعالى الأصوات في مطالبات شبه يومية بتخفيض الإنتاج في «أوبك» ورفع الأسعار. ويبدو أن التخبّط الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الفترة الأخيرة، وتهاويها إلى مستويات دنيا قد يقلب الطاولة ومعها الحسابات الإيرانية رأسا على عقب، فالنفط مازال يهوي ويهدد معه بجر إيران إلى الهاوية إذا ما استمر الأمر على ذلك.

* باحث ومحلل أردني،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.or

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً