بحسب الأنباء المتواترة من داخل مجمع السلمانية الطبي، فإن مخزون الأدوية انخفض بشكل ملحوظ خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وعلى رغم الحديث عن تسهيل وصول نوع من الأدوية فإن الأزمة مستمرة، وهي ترتبط ربما بأمور أعمق ممّا يبدو.
مشتريات الأدوية تكلف الحكومة مليون دينار شهريا تقريبا، وهو رقم كبير. ومن شروط الحكومة الالتزام بضوابط المناقصات وفحص الأمور للتأكد من أن ما يتم شراؤه هو المطلوب من ناحية الجودة والسعر ووقت التسليم بغض النظر عن مصدر الأدوية أو وكيلها الذي سيستفيد من عمليات الشراء. وهناك مشتريات يمكن ان تمرر بسرعة على أساس الضرورة .
ويبدو أن حالا من الإرباك تعم عملية شراء الأدوية وسط مخاوفَ أو إشاعات قد لا تكون ذات أساس صحيح. وفي كل الأحوال فإن تعطيل شراء أدوية أو عدم تمرير المعاملات يعطيانا صورة عن الخلل الإداري الذي تعاني منه مؤسسات حكومية عدة.
مشكلة الأدوية ما هي إلا مظهرٌ من مظاهر أزمة الإدارة والبيروقراطية التي عادت إلى البحرين بشكل يعوق تسيير مصالح الناس، ويبدو أن ليس لدينا من المؤهلين الإداريين ما يكفي لاتخاذ قرارات سريعة وشفافة بحسب القوانين واللوائح.
هناك حاليا ظاهرة تعطيل المعاملات على أساس أن لدينا ديوانا للرقابة وبرلمانا وصحافة بإمكانها أن تكتب عن الفاسد أو الخلل في الأنظمة والإجراءات، وهذه ظاهرة غير حسنة. فالرقابة المالية ليس هدفها تعطيل المعاملات، ومجلس المناقصات ليس من غرضه الإضرار بالمصلحة العامة، بل العكس هو الصحيح. ولذلك فالتعذر بوجود مراقبة وإجراءات إنما يشير إلى أمر آخر، إذ يكاد المذنب يقول «خذوني». فمادام ليست هناك أية مشكلة فلا معنى لتعطيل أية معاملة أو عرقلة سير مصالح الناس.
إننا بحاجة إلى «ثورة إدارية» قوامها إجراءات ذات مستوى عالمي تهدف إلى خدمة الناس بشفافية وسرعة، وتعتمد على مسئولين وموظفين أمناءَ على مهنتهم ومدربين بشكل مناسب للقيام بأعمالهم.
الملاحظ أن عدد الموظفين في الخدمة المدنية ازداد كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية، ولولا زيادة الدخل من النفط لما تمكنت الحكومة من دفع معاشات هذا العدد الكبير من الموظفين. ولكن الغريب أنه ومع ازدياد عدد الموظفين تأخرت المعاملات وتعقدت الإجراءات وازدادت البيروقراطية والممارسات غير المقبولة.
إن الإصلاح الإداري ليس كافيا لوضعنا... فما نحتاج إليه أكثر من الإصلاح التدريجي. إننا بحاجة إلى ثورة إدارية؛ لكيلا نضيع فرصة النمو المتوافر حاليا في صرف المعاشات فقط.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ