يعرّي فيلم «حين ميسرة» لخالد يوسف الذي بدأ عرضه قبل بضعة أسابيع ما يجري في المناطق العشوائية في مصر ارتباطا بوقائع الفساد والاقتسام الظالم للثروة بين طبقات المجتمع وتفاعلها مع تردي الواقع العربي المهزوم.
يصوّر الفيلم الذي ألفه ناصر عبد الرحمن «بوفيه مفتوح للفساد وتردي المجتمع المصري بين المناطق العشوائية والريفية وانتهاك الكرامة الإنسانية بسبب الواقع الذي يعيشه أهالي هذه المناطق نتاجا للاقتسام الظالم للثروة بين فئات المجتمع الأخرى» كما يؤكّد الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي.
فأحداث الفيلم تدور ضمن عدّة محاور أهمها الحالة التي تعيشها عائلة بطل الفيلم ثاني أبناء العائلة (عَمرو سعد) وتصور الحالة الاقتصادية والمعيشية السيئة التي يعيشونها في أحد المناطق العشوائية في العاصمة المصرية في حين يعيش الابن البكر (خالد صالح) في العراق ويتبين أنه عضو في إحدى الجماعات الإسلامية.
كما تسلّط الضوء على طبيعة العلاقات القائمة في هذه المنطقة العشوائية حيث ينتشر الإدمان على المخدرات وتبادل العنف بين سكان المنطقة وسيطرة الأقوى على مجريات الأحداث فيها تأكيدا على أنّ مثل هذه المنطقة مفرخة لظاهرة البلطجة، حيث يفرض الجوع اللجوء للقوة كما يظهر ذلك في الصراع بين بطل الفيلم وبين زعيم إحدى عصابات توزيع المخدرات وانتقال قيادة البلطجة بينهما.
ويكشف الفيلم أيضا عن العلاقات الإنسانية التي يتضامن فيها الأهالي بين بعضهم بعضا كما يظهر في العلاقة القائمة بين بطل الفيلم والشخصية الثانية (عَمرو عبد الجليل) الذي قدّم دورا يعتبر من أفضل ما قدّمه على شاشة السينما بعد قيامه ببطولة فيلم «إسكندرية كمان وكمان» ليوسف شاهين.
وتظهر كذلك العشوائية وسوء الوضع الاقتصادي في الريف المحيط بالعاصمة من خلال شخصية (سمية الخشاب) زوجة بطل الفيلم الذي يتخلّى عنها وعن ابنه منها مما يضطرها بسبب سوء أوضاعها الاقتصادية إلى التخلّي عن ابنها أيضا لتدخل بعد ذلك في تجارب متعددة تبرزآلية المجتمع بسحق الكرامة الإنسانية والجسد الإنساني.
ورغم صمودها الطويل وتجاوزها العديد من الإغراءات بما في ذلك الدعوة لعلاقة جنسية شاذة مع امرأة تمتهن بيع أجساد النساء، إلا أنها تضطر لبيع جسدها بعد أنْ يقوم أربعة شباب باغتصابها فتشعر بعدها بأنه لا جدوى من الصمود وعليها أنْ تستفيد من رأسمالها الأساسي جسدها في الخروج من المهانة التي تعيشها.
ويأتي المحورالثاني الذي يظهر الصورة القمعية لأجهزة الأمن في أكثر من صورة من بينها إجبارالمواطنين على العمل معهم كمخبرين أو اعتقالهم، كذلك تبرز صورة التعذيب عندما تقوم أجهزة الأمن بتعذيب أسرة بطل الفيلم لمحاولة انتزاع اعترافات عن شقيقهم الحاضرالغائب (خالد صالح) كأحد أعضاء الجماعات الإسلامية بطريقة وحشية.
وضمن السياق أيضا يبرز محور إرهاب الجماعات الدينية والتي يساعد على ظهورها في المناطق العشوائية سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود فرص للعمل لغالبية الشباب فيلجئون للاحتجاج عن طريق الجماعات وفيما بعد ترابط نشاط الجماعات مع رجال عصابات المخدرات في زيادة معاناة سكّان العشوائيات.
تتقاطع هذه المشاهد في أكثر من محطة مع ما يجري في العراق واحتلاله على مدار عشر سنوات من حرب احتلال الكويت وحتى حرب احتلال العراق وإعدام صدام حسين للإشارة إلى الترابط القائم في العالم العربي وتدني الأوضاع بين الاحتلال وإهدار كرامة الإنسان وبين الفساد وسوء الأوضاع الاقتصادية وانه لا يمكن عزل البلدان العربية عن بعضها بعضا؛ لأنها مترابط جميعها.
وعلّق طارق الشناوي على تعدد القضايا التي عالجها الفيلم لإبراز كلّ السلبيات القائمة اجتماعيا وسياسيا وفي العلاقة بين الفرد والدولة قائلا: إنه «كان يمكن التركيز على خط معيّن أفضل من إقامة مثل هذه البوفيه المفتوح؛ لأنه أضاع المتعة الفنية التي ترتكز عليها السينما».
ومن جهته اعتبر الصحافي أحمد فايق أنّ «الفيلم يشكل تصويرا وثائقيا للعشوائيات ولبعض مشاهد حرب الخليج أكثر منه تصويرا دراميا يتضمن تطور شخصيات ومشاكلها وعقدها ومع ذلك فالفيلم أبرز وجوها سيكون لها مستقبل في السينما خلال السنوات القليلة المقبلة خصوصا الفنان عَمرو عبد الجليل وعَمرو سعد وسمية الخشاب».
وبعيدا عن وجهات نظر النقاد فإنّ المخرج خالد يوسف اعتبر أنّ «هذا الفيلم هو فعلا أول أفلامي وأنا لا أتنصل من أفلامي السابقة بل أنا معتز بها ولكن هذا الفيلم يستجيب لرغباتي كمخرج ملتزم بقضايا وطني أشعر أنني بتقديمه قدمته كأول فيلم لي».
وشهد الفيلم إقبالا جماهيريا كبيرا ازداد بعد الأيام الثلاثة الأولى لعيد الأضحى إذ تم نقله من القاعات المتوسطة في بعض دورالعرض إلى القاعات الأكبر والأكثر استيعابا؛ ليحل محل الأفلام التي كان يراهن عليها في تحقيق إيرادات اكبر.
العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ