العدد 1957 - الإثنين 14 يناير 2008م الموافق 05 محرم 1429هـ

بين التوجيه والرؤية

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

الكلام مكرور ومعاد، إنه ما قيل في الأعوام السابقة بحذافيره، ولا توجد فيه أفكارجديدة، ولا يوجد فيه عرض يُواكب تقدم الحياة، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعلني انتقل من المحطة التي يتحدّث فيها هذا العالم أوالمبلغ إلى أيّ برنامج آخر.

بكلمات مقتضبة وتحسّر بالغ لخص لي أحد الأصدقاء تصوّرات غالبية زملائه في المجالس التي يوجد فيها معهم حين يطلّ عليهم عبر شاشات التلفزيون أيّ برنامج ديني، إنهم يشعرون بالملل والسأم والنفورمن التكرار.

يضيف زميلي موضحا رأيهم لقد مرّعلينا شهر رمضان المبارك وحاولنا التأقلم الذي لابدّ منه مع الخطاب المعاد، ثم جاءنا شهرالحج فاستجدت معاناتنا مع الخطاب، لماذا تتطوّرالبرامج والأشياء وتبقى مناسباتنا الدينية راكدة، وإذا تقدّمت فببطء السلحفاة؟

إننا مع كلّ مناسبة دينية تراودنا الأفكار ونتردد في الاستجابة لنداء المناسبة، وقد نستجيب انطلاقا من الواجب أو الدافع الديني، ولكن في نفوسنا شيئا على الوقت الذي يُصرف والجهد الذي يُبذل، والبدائل التي لا تلقى نصيبها من الاهتمام بسبب المتابعة لنداء الدين والفطرة، صحيح أننا نحتسب ذلك عند الله، لكن هل لنا أنْ نكسب الأجر والثواب ونعود بالنفع والفائدة والراحة النفسية لما صرفنا من الوقت والجهد الثمينين؟

لا شك أنّ كل واحد منّا سمع هذا الكلام وأضرابه كثيرا، ولاشك أنّ المتحدّثين به ليسوا أضعف إيمانا من غيرهم، ولاشك أنهم لا يقصدون الإساءة لأيّ مناسبة دينية، ولعلّ الأمرهنا مرتبط بتصوّرات قد تحتاج إلى إعادة تأسيس وبرمجة، كي لا تكون في موقع التنافرمع أحاديث المناسبات السنوية كشهررمضان وأشهرالحج وغيرها من المناسبات بما في ذلك خطب الجمعة التي قيل عنها الكثير وكتب عنها الكثير في صحافتنا المحلية.

أوّلا: يرى قسم كبيرمن الناس أنّ هذه المناسبات فرصة ذهبية لإنتاج الأفكاروالتصوّرات والرؤى الجديدة التي ينبغي أن ترفد بها ساحتنا الدينية والاجتماعية، وخصوصا أنّ العالم ككل يمر بتغيرات سريعة ومتحرّكة ما يفرض نوعا من المواكبة والمتابعة التي تمد المستمع بجديد الرأي ونتاج الفكر المستجيب والمتوافق مع مستجدات الظروف.

هذه الرؤية تقابلها وجهة نظر أخرى تعتقد أن هذه المناسبات هي مناسبات توجيهية ووعظية أكثر من أيّ شيء آخر، وتستدعي وجهة النظرهذه الكثير من الحوادث الاجتماعية المرتبطة بانتشارالفساد والرذيلة بما فيها الخمور والمخدرات والجرائم التي تهز الوجدان والضمير والتي أصبحت أمرا متكررا تطالعنا به صحفنا المحلية كلّ صباح، وهي حوادث وجرائم لم تسمعها مجتمعاتنا من قبل.

وتؤكّد وجهة النظرهذه على أنّ الحضور الحاشد في هذه المناسبات ليس حضورا نوعيا أو ثقافيا فقط، بل يمكن أنْ يوصف حضورالنخب بالمحدودية مقابل الكم الهائل من الأطفال والشباب اليافع والمتفتح والآباء الكبار وقسم لا بأس بعدده من النساء اللائي يعتبرنَ هذه المناسبات هي نافذتهنّ الوحيدة للنصح والتوجيه.

ثانيا: يقترح البعض أنْ يقسّم الحديث في مناسباتنا الدينية إلى قسمين، قسم يستجيب للضرورات التي تفرض النصيحة والتوجيه والوعظ، والقسم الآخر يركّزعلى جديد الفكر، وآخر ما يتداول من نتاج العقل البشري، ومحاولة فرزالسليم والسقيم منه، كي يستنيرالمجتمع بالرؤى الحيّة والمواكبة لما يضخ في الساحة من تصوّرات، وخصوصا أنّ سببا من أسباب التصرفات والسلوكيات الرديئة هو الثقافة المريضة والأفكارالخادعة التي تعشش في أذهان الناس.

ثالثا: يبقى أنْ يشارك الديني رجل الاختصاص، فلا يمكن للمبلغ والواعظ أنْ يحيط بكلّ العلوم والمعارف على تنوعها وتفرعها وأحيانا تداخلها، وليس صعبا هذا التشارك خصوصا حين يكون بين الاثنين توافق على طريقة العرض والرسالة التي يجب أنْ توجه للمجتمع.

أتصوّرأن مناسباتنا ستكون في وضع أفضل وستستقطب حضورا يفوق الحضورالفعلي، فلكلّ شخصية جاذبيتها، ولكلّ معرفة محبوها، كما أنّ لكل مدخل ووسيلة للوصول إلى فكرة أو رأي ما أثره في تقبل الفكرة والأخذ بها، كما أنّ كل حاضر ومتفاعل سيحصل على حاجته، وسيرى أنّ حضوره أشبع ما تجشم العناء من أجله.

إنّ الحديث المنفتح عن المناسبات الدينية المهمّة التي أنعم الله بها علينا، هو حديث في العمق عن ضرورة التطوير، وشعور بأهمية المناسبات في تجديد مفاهيم الدين وقيمه في نفوس الناس.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1957 - الإثنين 14 يناير 2008م الموافق 05 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً