العدد 1957 - الإثنين 14 يناير 2008م الموافق 05 محرم 1429هـ

بعيدا عن تهويش الصغار

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما هي آخر درجات التشطير التي يسعى المحرضون المعتاشون على الفتنة لبلوغها؟

المجتمع يعاني من مشكلات لا ينكرها أحد، أغلبها ذو طابع اقتصادي، وكثير منها يرتبط بالنظام التعليمي ومخرجاته، ولأن التعليم هو آخر ما نفكّر في إصلاحه رسميا، فإن هذه المشكلات ستظلّ معنا، في مجتمع شابّ، يخرّج آلاف الطلبة سنويا، مع ضعف شديد في التأهيل والتدريب، وسوق عمل يولّد أربع فرص عمل للأجنبي، مقابل فرصة واحدة للمواطن.

إلى ذلك، هناك ما يولده التجنيس من مشكلات بدأت تظهر نذرها، ويحس بها المواطن إن على مستوى مخاطر التغيير الديمغرافي، أو الاحتكاك اليومي بالنتائج المباشرة. ونحن نتكلّم واقعيا عما يجري على الأرض، ولسنا متحاملين على أحد حتى نتهم بالعنصرية.

ثم هناك مشكلة «التمييز»، وهي فضيحة مسكوت عنها، تخفي أوضاعا شاذة ومخجلة، ومن الشجاعة أن نعترف أنه أحد مولّدات المشكلات والاحتقان، ومهما كنا مثاليين أو دعاة وحدة، فلن يثق بنا أحدٌ إذا استشعر أنه مضطهد في بلده، ويمارس التمييز ضده.

هناك مشكلات إذا لا تنكر وجودها الجهات الرسمية، وهناك أسبابٌ تدعو إلى النقمة وتدفع إلى التعبير أحيانا عن الغضب، وخصوصا عندما يشعر المرء بأنه محاربٌ في رزقه. لست في مقام تبرير أية أساليب تعبير عنيفة، وإنما التفسير لما جرى ويجري وسيجري، فردود الفعل تتخذ أشكالا متعددة، واعية وغير واعية. والبشر نتاج مجموعة من المشاعر والأفكار والأحاسيس والمواقف والقناعات، وتبسيط الأمور بالدعوة إلى قمع الفئات الشبابية الناقمة ليس علاجا إلاّ إذا أردنا أن نخدع أنفسنا. وبالمثل لن يحل المشكلات الاتفاق على مسمى «معتقل» أو «موقوف»، فالأمر يحتاج إلى رؤية بعيدة تبحث بمسئولية وموضوعية عن جذور المشكلات.

هناك فئات معروفة من مصلحتها زيادة الاحتقان، ولذلك دأبت على التحريض واستعداء الدولة على بعض مواطنيها، وللأسف استطاعت أن تخلق جوّا عامّا دفع إلى توريط عدد من الجمعيات والصناديق الخيرية من لون مذهبي واحد، للانسياق وراء نشر بيان مدفوع الثمن، خلافا لمواقفها الدائمة في انتقاد أية حركة سياسية أو حقوقية أو حتى مطلبية بدعوى «التسييس». وهو أمرٌ سيغذّي حتما ما نعيشه من تشطير طائفي.

الآن هدأت الأمور واستقرت القلوب، وقد آن الوقت لمراجعة ما جرى، فالمحرّضون الذين كانت تستهويهم ردود الفعل العنيفة على حركة الشارع بما يشبه التشفي، لا يدركون التبعات النفسية والاجتماعية لذلك. فمن المهين لي كمواطن أن تتناقل وكالات الأنباء العالمية صورا لنساء بحرينيات تعرضن لسوء المعاملة في مبنى حكومي كالنيابة، ونقل بعضهن للمستشفى بالإسعاف. مثل هذه الأمور ليس لها شأنٌ عند الصغار، أما عند رجال الحكم والسياسة فلها ميزانٌ آخر.

الأقلام الخفيفة لا تدرك ما تخلّفه مداهمة مسجد في بلد إسلامي وتكسير محتوياته، ولا ما تسبّبه مداهمة البيوت الآمنة وانتهاك حرمة غرف النوم من غيظ واحتقار للفاعلين. هذه الأقلام المراهقة التي تشنّع على ممارسة السياسة وتعتبرها ضعفا للنظام، تتجاوز حدود الأدب واللياقة فتضغط على الدولة وتحاول إحراج أعلى السلطات لقطع الطريق عن استخدام أحد أهم أدوات السياسة التقليدية في تبريد الأزمات، فضلا عن معالجة مسبّبات الاحتقانات. لقد آن الأوان لأن تمارس الدولة السياسة بعيدا عن تهويش ومشاغبة الصغار.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1957 - الإثنين 14 يناير 2008م الموافق 05 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً