يتميز الاقتصاد الكويتي في الكثير من الأمور مقارنة باقتصادات الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وتشمل هذه المفارقات تاريخ ابتداء السنة المالية، إذ تبدأ في الكويت في الأول من أبريل/ نيسان حتى نهاية مارس/ آذار.
أما المميزات الأخرى للاقتصاد الكويتي فتشمل تحويل 10 في المئة من إيرادات الخزانة العامة للدولة إلى صندوق خاص للأجيال القادمة. يهدف هذا البرنامج منقطع النظير إلى ضمان حصول الأجيال القادمة على حقها من خيرات البلاد (هناك مقترح برلماني جديد في البحرين يدعو إلى تخصيص 5 % من إيرادات الخزانة العامة لصالح الأجيال القادمة).
الإيرادات والمصروفات
قدرت الحكومة إيرادات موازنة السنة المالية والتي بدأت في أبريل 2007 وتستمر حتى نهاية مارس 2008 بحوالي 28,9 مليار دولار. كما قدرت السلطات حجم المصروفات بنحو 39,2 مليار دولار. وعليه تم افتراض عجز مالي يزيد عن 10 مليارات دولار. بيد أنه ينتظر أن يتم تحويل العجز المقدر إلى فائض كبير. ومرد ذلك توقع حدوث زيادة نوعية في الإيرادات مقابل تراجع المصروفات. وتعود الزيادة المتوقعة في حجم الإيرادات إلى ارتفاع الدخل النفطي. يساهم الدخل النفطي نحو 90 في المئة من إيرادات الخزانة في الكويت. وعليه تعتبر الكويت الأكثر اعتمادا على النفط بين شقيقاتها في دول مجلس التعاون.
افترضت الحكومة الكويتية متوسط سعر منخفض جدا لبرميل النفط للسنة المالية 2007 و 2008 مقارنة مع ما هو سائد في العالم. فقد تم افتراض متوسط سعر قدره 36 دولارا للبرميل. في المقابل، أشارت تقارير خبرية بأن النفط الكويتي كان يباع بنحو 85 دولارا للبرميل مع انتهاء العام 2007. لكن من المنتظر أن يبلغ متوسط سعر النفط الكويتي نحو 65 دولارا للبرميل وربما أكثر مع نهاية السنة المالية بسبب الارتفاع المستمر في أسعار النفط وخصوصا في الآونة الأخيرة لعدة أسباب، منها موجة البرد التي تجتاح مختلف مناطق العالم.
مواجهة طلبات مجلس الأمة
من جهة أخرى، يعتقد بأن السلطات الحكومية تعمّدت تبني رقم محافظ إلى أقصى حد ممكن لسعر النفط لوضع حد لمطالبات مجلس الأمة بزيادة رواتب موظفي القطاع العام. المعروف أن نحو 92 في المئة من العمالة الوطنية في الكويت تعمل في المؤسسات التابعة إلى الدولة. تتمثل مطالبة أعضاء المجلس التشريعي بزيادة الرواتب في إطار إعادة توزيع الثروة في البلاد وضمان حصول المواطنين على مكاسب مباشرة من ارتفاع دخل الخزانة العامة للدولة. كما أن مطلب الزيادة بات ضروريا أكثر من أي وقت مضى بسبب مشكلة التضخم. شأنه شأن بقية الاقتصادات الخليجية الأخرى يعاني الاقتصاد الكويتي من مشكلة ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة، أي حالة التضخم. تشير آخر الإحصاءات المتوافرة بأن نسبة التضخم في الكويت فاقت 6 في المئة في نهاية العام 2007.
محاربة التضخم
تعتقد بعض المصادر الصحافية حدوث تراجع بنحو 8 في المئة من مجموع المصروفات المقدرة. ويعود هذا الأمر إلى رغبة السلطات في عدم تفاقم أزمة التضخم في البلاد. يلعب القطاع العام دورا محوريا في المصروفات في الكويت مايعني وجود علاقة بين مستويات التضخم والصرف الحكومي. تساهم المصروفات الحكومية في زيادة الطلب مايعني المزيد من الضغوط التضخمية.
المعروف بأن السلطات الكويتية اتخذا قرارا استراتيجيا في شهر مايو/ أيار من العام 2007 يقضي بفك ارتباط عملتها بالدولار الأميركي واستبداله بسلة من العملات. وقد اتخذت السلطات الكويتية القرار على خلفية عدم ظهور دلائل تشير إلى انتهاء حالة تراجع قيمة الدولار. يتسبب هبوط الدولار إلى استيراد التضخم على خلفية جلب واردات من سلع غير مسعرة بالدولار. تستورد الكويت نحو 37 في المئة من حاجياتها من أوروبا مقابل 13 في المئة من الولايات المتحدة. فقد اتخذت السلطات الكويتية القرار على خلفية عدم ظهور دلائل تشير إلى انتهاء حالة تراجع قيمة الدولار. يتسبب هبوط الدولار إلى استيراد التضخم على خلفية جلب واردات من سلع غير مسعرة بالدولار الأميركي.
توقع فائض ضخم
من المتوقع أن يتم تسجيل فائض في حدود 25 مليار دولار بسبب تعزيز الإيرادات من جهة وتراجع المصروفات الحقيقية عن المقدرة من جهة أخرى. وكانت الموازنة الكويتية قد سجلت فائضا قدره 18,5 مليار دولار في السنة المالية 2006 و 2007. وكان بالمقدور تسجيل فائض أكبر لولا تحويل مبلغ استثنائي لحساب التأمينات العامة. بالعودة إلى الوراء، تم تسجيل فائض قدره 24 مليار دولار في السنة المالية 2005 و 2006 أي الأعلى في تاريخ الموازنات العامة في الكويت.
كما أشرنا سلفا يشكل الدخل النفطي نحو 90 في المئة من إيرادات الموازنة العامة. كما يلعب القطاع النفطي دورا محوريا في الميزان التجاري إذ يمثل نحو 95 في المئة في الوقت نفسه من الصادرات. المؤكد أنه لا يمكن اعتبار هذه الإحصاءات سارة في أي حال من الأحوال لأنها تجعل الاقتصاد الكويتي تحت رحمة التطورات في أسواق النفط. صحيح أن أسعار النفط مرتفعة في هذه الفترة لكن كل شيء قابل للتغيير في المستقبل.
تنويع الاقتصاد
بمقدور الكويت توظيف الفوائض النفطية لتحقيق هدف جوهري وهو حصول تنوع اقتصادي بعيدا عن القطاع النفطي. فالفرصة متوافرة أمام الكويت للعمل على تقليل الاعتماد على القطاع النفطي فيما يخص المساهمة في دخل الخزانة العامة والصادرات والناتج المحلي الإجمالي. نقول ذلك نظرا إلى الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي في الاقتصاد الكويتي فيما يخص إيرادات الخزانة والتجارة الدولية.
تعتبر الفرصة الحالية تاريخية مايعني ضرورة الاستفادة منها لفرض واقع جديد في الاقتصاد الكويتي مثل الصرف على البنية التحتية. ومن شأن تطوير الاقتصاد الكويتي إقناع المستثمرين الكويتيين تخصيص نسبة كبيرة من أمولهم للاستثمار داخل الكويت وليس خارجها كما هو عليه الحال في الوقت الحالي.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1957 - الإثنين 14 يناير 2008م الموافق 05 محرم 1429هـ