ينشغلُ الإيرانيون كما الأميركيين بانتخابات من نوع خاص. فهم أولا يرقبون ما ستؤول إليه انتخابات الرئاسة الأميركية في الولايات المتحدة وعينهم على باراك أوباما (46 عاما) وتاليا على السناتور هيلاري كلينتون (60 عاما) التي عايشت تقارب إدارة زوجها مع إيران (1992-2000) والأميركيون يرمقون محافظات الجمهورية الإسلامية الثلاثين طمعا في أن تُفضي لهم بمجلس تُتْرِعُه القوى الإصلاحية المتطرفة كجبهة المشاركة ومجاهدي الثورة الإسلامية، أو على أقل تقدير قوى أخرى غير المحافظين.
وربما يملك الإيرانيون القدرة على فهم الخريطة الانتخابية الأميركية الممتدة من إيلينوي ونورث كالولينا وومينغ حتى 5 فبراير/ شباط المقبل (الثلثاء الكبير) الذي سيشهد إجراء الانتخابات التمهيدية لعشرين ولاية. ولكن الأميركيين - حتى الإيرانيون أنفسهم - لا يمكنهم قراءة المجسّات الانتخابية داخل إيران بالشكل الذي يُعطيهم مؤشرات دقيقة.
وزير الداخلية مصطفى بور محمّدي قال السبت الماضي إن «7200 شخص (6610 رجال و590 امرأة) سجّلوا ترشيحاتهم للانتخابات التشريعية بشكل نهائي والتي ستجرى بالتزامن مع الانتخابات التكميلية لمجلس خبراء القيادة في 14 مارس/ ىذار المقبل»، مضيفا أن «40 في المئة من المسجلين يمتلكون شهادة البكالوريوس و31 في المئة شهادة الماجستير و14 في المئة شهادة الدكتوراه و2.6 في المئة لديهم تحصيلات من الحوزة العلمية». كما أعلن الوزير تسجيل 17 مترشحا عن الأقليات الدينية لشغل خمسة كراسٍ في البرلمان ممثلين لأقليات الأرمن المقيمين في الشمال والمركز واليهود والزرادشت والآشوريين، وأن عملية تسجيل مرشحي الدورة الثامنة لانتخابات البرلمان التاسع والتي بدأت في 5 يناير/ كانون الثاني الجاري انتهت الجمعة الماضي.
وبالرجوع إلى الأرقام التي أعلنها وزير الداخلية في حدها الأعلى فسنجدها تقل عن عدد المترشحين للانتخابات التشريعية السابقة قبل غربلة مجلس صيانة الدستور الأسماءَ بأكثر من 960 مترشّحا؛ مما يعني أن مجلس صيانة الدستور قد أخذ نصيحة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله السيدعلي خامنئي بسقفها الأعلى عندما خاطب المجلس أثناء أزمة الأهليّة في العام 2004 (أما الذين كانوا في الدورات السابقة فلن يكون ثمة موضع للاستصحاب إذا ما كانت أهليتهم قد رُفضت في الدورة السابقة) وبالتالي إن من طُعِنَ في أهليته في الدورة السابقة وهم 2394 لن يحقّ له الترشّح هذه المرة. وربما ما عجّل بالأخذ بهذا الرأي التصريحاتُ التي أدلى بها المرشد الأعلى في مدينتي يزد وقم المقدسة عن ضرورة وجود مجلس تشريعي لا يخشى «الغوغائية الدولية».
بطبيعة الحال، إن الأمور إذا ما سارت بهذا الشكل فستشهد الترتيبات تموضعات حزبية تتنافس في تماسكها التنظيمي لإحراز نصر مُعتبر. فالإصلاحيون جاهدوا من أجل النأي بأنفسهم عن أي دعم يُبديه المسئولون الأميركيون تجاههم. فقد صرح رئيس لجنة تحالف الإصلاحيين في طهران مرتضى حاجي عن إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش دعمه فئة خاصة في إيران بأن «جبهة الإصلاحيين ليست بحاجة إلى الدعم من جانب بوش، وأن اعتمادنا هو على أصوات الشعب». كما أكد عضو المجلس المركزي لجبهة المشاركة علي شكوري راد عن إعلان واشنطن دعمها الإصلاحيين أن دعم الولايات المتحدة لأية فئة أو جناح هو «إراقة ماء الوجه لتلك الفئة».
ولكن الإشكال لا يكمن فقط عند هذه النقطة التي بدت حسّاسة جدا؛ وإنما يتعداه إلى نقاط أكثر تعقيدا. فالأكيد أن الكثير من الأسماء التي لم تحظَ بموافقة مجلس صيانة الدستور في الانتخابات التشريعية الماضية لن تترشّح هذه المرة. بَيْد أن ذلك لا يعني أن غالبية القوى الإصلاحية ستُحرم من الدخول هذه المرة، وخصوصا أن 160 نائبا إصلاحيا في البرلمان السادس لهم حقّ الترشّح هذه المرة. وبالتالي إن الحظوظ التي حصل عليها المحافظون في الانتخابات الماضية قد لا يحصلون عليها هذه المرة كما حصل بالضبط أثناء الانتخابات البلدية؛ ولأن حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد تنتهي ولايتها في أغسطس/ آب 2009؛ فبالتالي إن الأمر يعني أن المجاميع الإصلاحية إذا ما وصلت إلى الحكم فإنها ستراقب عمل الحكومة الحالية لأكثر من سنة وخمسة أشهر، وإذا ما علمنا هذه الحكومة لا تعترف بالأحزاب اليمينية المحافظة فإنها من باب أوْلى ستكون ندا شرسا للقوى الإصلاحية؛ مما أن علاقة المجلس النيابي بالسلطة التنفيذية ستشهد توترات غير عادية؛ وهذا يعيد نشاط مجلس صيانة الدستور ومن خلفه مجمع تشخيص مصلحة النظام للعب دور الوازن لإيقاعات المرحلة المقبلة، والرغبة في عدم حبس المشاريع التي تُحيلها الحكومة إلى المجلس أو تشذيبها بالقدر الذي يُبعد نقطة التماس بين الطرفين، كما حصل بالضبط أثناء نيابة المجلس الخامس مع حكومة الرئيس محمد خاتمي. مع الإشارة هنا إلى حالة التضاد - أو على أقل تقدير - عدم الانسجام بين الداعمين لأحمدي نجاد والقوى المحافظة الأخرى التي ألقت بظلالها على طبيعة التحالفات القائمة. فكوادر البناء التي تكبّد أكثر من 500 مترشّح أقصاهم مجلس صيانة الدستور في الانتخابات التشريعية الماضية قد أعلن قائمة فسيفسائية يتقدمها الشيخ حسن روحاني والمهندس محمد هاشمي، محمد رضا عارف، إسحق جهانكيري، رضا أمر إلهي، موسوي لاري، مجيد أنصاري، محمود دعائي، هادي خامنئي، رسول منتجب نيا، عيسى كلانتري، زهراء شجاعي، أحمد بور نجاتي، صادق خرازي وطاهر نجاد. وبالرجوع إلى الأسماء فسنجد أنها تحوي أسماءَ محسوبة على روحانيت مبارز (حسن روحاني) وروحانيون مبارز (موسوي لاري ومجيد أنصاري وزهراء شجاعي) والثقة الوطنية (رسول منتجب نيا) وكوادر البناء (محمد هاشمي)؛ وبالتالي إن اصطفافا جديدا ربما يتشكّل في مواجهة تيار الرئيس أحمدي نجاد.
أضف إلى ذلك إن الأنباء الواردة من داخل أروقة التيار المحافظ تشير إلى أن ممثل المرشد الأعلى في مجلس الأمن القومي علي أردشير لارجاني قد طُرح على قائمة حزب التنمية؛ رغبة من اليمين التقليدي في تصعيده إلى رئاسة المجلس في حال فوزه في الانتخابات، وخصوصا أن حداد عادل لن يترشّح هذه المرة؛ لرغبته في خوض غمار المعركة الرئاسية في مايو/ أيار 2009؛ وبالتالي إن عمل القوى المحافظة هو مزدوج. فمن جهة يخوضون المعركة ضد خصومهم الإصلاحيين المتطرفين، وبشكل موازٍ يعيدون ترتيب الجبهة المحافظة عبر بوابة الانتخابات النيابية. وإذا ما نجحوا في مسعاهم فإن الأمر يعني وصول اليمين التقليدي برئاسة مهدوي كني وناطق نوري إلى مركزي التشريع والتنفيذ. وقد يكون وجود الشيخ هاشمي رفسنجاني عضوا في الشورى المركزية لجمعية علماء الدين المناضلين الممر الذي يلتقي فيه اليمين التقليدي فصيليه المنشقّيْن عنه وهما مجمّع علماء الدين المجاهدين من اليسار الديني الراديكالي (1986) وكوادر البناء من يمين الوسط (1996).
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1956 - الأحد 13 يناير 2008م الموافق 04 محرم 1429هـ