في الوقت الذي يوشك الحريق الطائفي أن يلتهم كبد الوطن لا يعلم الفرد منا ما هو المصير والمنتهى والمستقر الذي سيتوقف عنده الصحافي حافظ الشيخ دونما تراجع واهتزاز يصل في حالات كثيرة منه إلى الهذيان والهلوسة السياسية المفرغة تارة والمعدومة في فقدانها لأدنى حس من المسئولية الاجتماعية، والتي ينبغي أن يتحلى بها المثقفون وعلى رأسهم الكتاب الصحافيون تحديدا؟!
لا أعرف لماذا يصر حافظ دوما على إعادة نبش جذور وقبور الأزمات الحقيقية والمفتعلة، وفي لحظات أخرى يقوم باستيراد إسقاطات تاريخية مثيرة موغلة في ابتعادها عن أي منطق علمي ورؤية واقعية وأكثر إيغالا في سطحيتها، وفي أسوأ اللحظات يمارس أخطر المهمات وأدهاها في إعادة كتابة التاريخ من أسس وتقاطعات زوايا طائفية بالغة في الحدية، ويستنفر بذلك النزعات الجاهلية المتخلفة لينمقها بمفردات ومصطلحات تاريخية مبتذلة لا تزيد الوضع إلا تأزيما عما هو عليه، لكأنما به يريد أن يستفرد بقلب وعقل المجتمع البحريني عبر غرز أنياب الخوف والتخويف الباردة فيهما؟!
فمتى سيحافظ حافظ على مبادئه وعلى مسئولياته العامة عسى ألا ينساها كعادته؟!
ومتى ستنتهي تقلبات حافظ الشيخ المتعددة التي يعلمها أكثر من غيره؟! ومتى سيكف عن التناقض الهادم لصلب ذاته وسلامة تفكيره وتمييزه بين الخيط الأسود والخيط الأبيض، فمثل تلك التناقضات الجوهرية لا تحمل من الجدل إلا ما أريد به زيادة في «تجديل» المصائب والأزمات وإحكام المغاليق على الحلول والبدائل الوطنية الخلاصية؟!
ولعل ما سطره حافظ في مقاله «العرب استراتيجيا مكسب» بإحدى الصحف المحلية إن لم يكن جديدا وغريبا على نهجه الانهدامي، فإنه أمكن اعتباره حافة فاصلة لانتحار مبدئي وقيمي لا يمكن أن يصدر أبدا عن عقلية ووجدان مستقر ومتزن أساسا يعنى ويعول عليه في تحمل هم الوطن والمواطنين، وإن لم تكن أصلا لتعترف بشريحة كبرى من المواطنين، ولا تحمل أي إحساس بالمسئولية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لما أدت إليه «لوثات التجنيس» المدمرة من أزمات وجودية خطيرة على أمن واستقرار المجتمع البحريني، وبالأحرى على مستقبل «الهوية البحرينية»، وعلى صورة البحريني المنفتح والمتسامح والطيب الذي أكسبته سمعة تاريخية مشرفة بين أقوام وشعوب المنطقة!
فمن يطلع بعين الحيادية الموضوعية على سجلات مواقف حافظ الشيخ الموثقة والمدونة والمثبتة بشهادات تاريخية لا يمكنه أن يماطل حيالها وينكرها، وذلك فيما يتعلق بأزمة «التجنيس» المنطلقة من أسس غير قانونية وسليمة تحديدا، سيرى حتما أن حافظ غير المحافظ انقلب انقلابا رهيبا على كل ما سبق أن دعا إلى التصدي له وحذر من خطورته وتداعياته على السلم الأهلي والاستقرار العام للمجتمع والدولة، كما أنه سبق أن خاض لأجل ذلك معارك صاخبة وسجالات حادة لا حصر لها مع الكثير من كبار الخصوم والمتربصين!
ولأجل الذكرى والشهادة التاريخية وتحديدا في موعد التصويت على «ميثاق العمل الوطني» يذكر المراقبون حينها الكاتب الصحافي حافظ الشيخ، وقد اشتهر بيافطته الاحتجاجية التي ارتداها في تلك المناسبة، وأعلن من خلالها بالحرف الواحد «لن نصوت على الميثاق إلا بشرط إيقاف التجنيس» وكان حينها برفقة المناضل الوطني الكبير والنقابي العتيد عبدالله مطيويع الذي أبدى استغرابه وتعجبه واستياءه من انقلابات حافظ المملة على مبادئه وقيمه وسعيه المنفلت إلى زيادة إشعال الحرائق الطائفية فيما لا تحمد عقباه!
وبحسب شهادة مطيويع فقد دخل حافظ الشيخ بعدها في عراك حامٍ مع المسئول الإعلامي الكبير الذي دعاه حافظ بـ «الشقي الدعي»، والذي تم منحه الجنسية بعدها بفترة قصيرة، فكانت حينها حملة صحافية صاخبة وصلت بحافظ إلى أروقة المحاكم!
ومن أتاه نبأ تلك العريضة الشعبية التي أطلقت منذ سنوات ضد «لوثة التجنيس» ولم تنقطع جهود القائمين عليها أبدا، والتي ضمت عددا كبيرا من تواقيع المواطنين وانتقلت بجهود جبارة ومخلصة بين معظم مجالس مدينة المحرق وملتقياتها الشعبية، والتي عبرت في خطابها النصي بصريح وبليغ العبارة عن المطالب الشعبية الرافضة بشكل قاطع لعمليات التجنيس غير السليمة التي تهدد استقرار الوطن وتزعزع الثقة بين الجميع - من أتاه نبأ تلك العريضة، ربما يصاب بالذهول والاندهاش حينما يعلم أن حافظ الشيخ عينه هو من كتب وخط بقلمه تلك السطور وتحمس لها!
ومن سنحت له الفرصة لأن يحضر ندوة حافظ الشيخ عن أزمة الهوية في البحرين التي احتضنها قبل سنوات «الملتقى الثقافي الأهلي» ربما كان أصبح حينها شاهدا على ما أبداه حافظ من استياء ونفور من عمليات «التجنيس» الحاصلة، ومن الكثير ممن تم تجنيسهم من «المجنسين» ذوي الأصول العربية الذين كشفوا عن «خاماتهم وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية الرديئة»، بحسب تعبيره حينها، الأمر الذي أثار حينها استياء بعض الحضور لما اعتبروه حكما قاسيا على كرامة الإخوة المتجنسين العرب، وهم الحضور ربما يعتبرهم حافظ اليوم ضمن «الطابور الخامس للصفويين» و «منزوعي الولاء والإخلاص والانتماء»!
وذكر لي الأخ العزيز صادق عبدالأمير الجمري شهادته التاريخية بشأن زيارة الصحافي حافظ الشيخ إلى والده المرحوم بحضور عبدالله مطيويع وعلي العريبي ومحمد حسن العرادي، وقام حينها حافظ بتقبيل رأس الشيخ الجمري وقال له - بحسب شهادة صادق الجمري - وبالحرف الواحد «أنا أعتذر لكل ما كتبته في مقالاتي عن الشيعة» فرد عليه الشيخ الجمري قائلا «أنت بالنسبة لي أخي الأصغر، ولنبدأ من جديد في خلق حياة مشتركة مشرقة». فقال حافظ حينها بالحرف الواحد منتشيا «أنت لست يا شيخ قائدا للشيعة فقط وإنما للسنة والشيعة»، وأرخ حافظ لذلك صحافيا، وبذل جهودا جبارة للتمهيد لزيارة الراحل الجمري إلى جمعية الإصلاح في المحرق!
فمتى يحافظ حافظ على ما تبقى له من رشد وطني ومن فتات مسئولية اجتماعية، ولو كان ذلك ليوم واحد فقط على الأقل؟ ومتى سيكف عن إشعال الحرائق وافتعال الأزمات الطائفية كلما لاحت في الأفق ملامح إجماع أو حتى سأم وطني توافقي؟!
هل كانت جميع تلك السنين التي قضاها حافظ المهووس بالتقلب دوما مزبدا ومرعدا ومحتدا إلا عبثا يستحب تبديده ونسيانه؟! هل سيعتذر إذا حافظ لقرائه الذين ضيع أوقاتهم في عبثياته ومعاركه الضبابية على رغم سخونتها وشدتها؟! هل سيعتذر للوعي الجمعي الذي غزاه بما قد يعتبره فيتامينات أو ميكروبات بحسب تقلباته التي فاقت الوصف؟!
مقال حافظ الشيخ أبدع في تكوين أبأس صورة ممكنة لنظام الحكم الخليفي الكريم، ولكأنما هو نظام عليل أو بالأحرى قشة كيانية سياسية تمثل نظاما هشا وركيكا وغير مستقر لن يكن بمقدوره مواصلة البقاء والاستقرار إلا بمزيد من الحقن وحبوب الهلوسة «التجنيسية» واستجلاب البشر من الخارج، ولكأنما هذا النظام في تصوير حافظ هو أشبه بالنظام الإسرائيلي المعتمد على وريد الهجرات الاستيطانية الحيوية من مختلف أصقاع العالم من دون نهاية، وهو بذلك يغض الطرف عن وقفات مشرقة تكاتفية وتضامنية مشتركة وقفها الشعب البحريني بفخر مع قيادته الكريمة في مختلف المنعطفات الحيوية، وهذا الشعب لن يتردد أبدا في الوقوف مع الحكم ذي الشرعية التاريخية المجمع عليها شعبيا، عسى أن تصان له حقوقه المشروعة من حرية وعدل ومساواة وقبلها حماية للأرض والعرض والشرع والهوية العربية الإسلامية التاريخية للبحرين، فلماذا كل هذا الإفراط في البؤس و «التبئيس» يا حافظ؟!
قد لا يعلم حافظ، أن مقاله الانتحاري أثار استياء كبيرا لدى قطاعات واسعة من المواطنين من أهل السنة والجماعة في البحرين تحديدا لكون التجارب العملية والميدانية العامة أثبتت أنهم المتضرر الأكبر والرئيسي من خيارات «لوثة التجنيس» المدمرة، وهو بذلك إنما صب على رأس «المصب الرئيسي» قارا ونارا، و «المصب الرئيسي» بخطايا حافظ الانقلابية تلك لن يعرف أين ومتى سيصب بعدها!
وربما تكمن الخطورة الحقيقية في مقال حافظ الشيخ الأخير «العرب استراتيجيا مكسب» هو في كونها تبدو مدفعا إنشائيا مشروعا في الانتقال من مرحلة التوتر والاحتقان الطائفي إلى مرحلة أخطر تتمثل في التنافر والتجاذب الإثني الأكثر عصبية وجاهلية وحساسية في المجتمع، ومتضافرا تحديدا مع لجوء «جماعة المحافظين الجدد - فرع البحرين»، المفضوحة لاستغلال عناصر وجماعات ذات صبغة إسلاموية وانتماء إثني متحدرة نسبا من العائلات العربية التي قطنت ساحل فارس ومن عائلات العجم السنة ككبش فداء ضد عناصر وقطاعات شيعية ذات نفوذ عريض.
وأذكر في مثل هذا الصدد أيضا ما أفضاه إليّ أحد الأصدقاء الأعزاء من واقع تجربته حين الاجتماع بأحد الأطراف التي تتعمد تبيان خطورة كل فئة أو طائفة على الأخرى، وتتولى تحميلها مسئولية تهديد استقرار الدولة حينما تجتمع تلك الأطراف الشيطانية مع كل طائفة أو فئة بمعزل وتحرضها على شقيقتها عسى أن تحقق بذلك التشطير الأمثل بين المواطنين!
وبما أن حافظ الشيخ نصب نفسه متحدثا حصريا عن عرب فارس (الهولة)، ودعا لتجنيسهم وغيرهم من مختلف الشعوب العربية لكأنما بذلك يضعهم أمام مشاحن ومطاحن الكراهية والنفور والتطرف الطائفي والعرقي المندلعة شعبيا بصورة غير مسبوقة تاريخيا في المجتمع البحريني نتيجة ما اتبعته الدولة من خيارات «لوثة التجنيس» المريبة... فليعلم حافظ الشيخ أن ليس من حقه ولا من حق غيره التكلم باسم عرب فارس وغيرهم من شعوب وأقوام، أو أن يحاول بالتالي إقحامهم في هذا الهذيان الانتحاري المتفق على خطورته وتأزيمه وتهديده للاستقرار الوطني!
وبالنسبة لي أنا ومثلي الكثير من المواطنين الفخورين بانتمائهم إلى عائلات تتحدر من «الهولة» وأكثر وأعز فخرا بانتمائهم إلى الوطن البحريني الحميم إلى جانب أشقاء أعزاء من مختلف الطوائف والإثنيات، وإن كنا قبلها كثيري التعوذ من الانتماءات العصبية والجاهلية، فإننا وغيرنا الكثير من الحاضنة ذاتها نفخر بالقيادات النضالية السياسية والرموز الوطنية التي أنجبتها تلك العائلات وكرست جلَّ اهتمامها بخدمة الوطن وجميع مواطنيه عربا وعجما سنة وشيعة على جميع الأصعدة والمستويات من نضال سياسي ونبوغ اقتصادي وتجاري فتميز وبروز في العلم والطبابة وفي المشهد الفني والثقافي، وشهد لكل ذلك حينها القاصي والداني.
وفي الوقت ذاته، لا أتمنى أبدا أن يستجاب لنصائح حافظ المدمرة التي ستزيد من وضعنا المحلي اندحارا عما هو عليه، فأقولها جازما حازما: لا لتجنيس عرب فارس، ولا لتجنيس سائر الشعوب العربية، ولا لتجنيس سائر الإخوة البشر وسائر الملائكة إن كان ذلك سيتم على منهاج «لوثة التجنيس» الوبيلة، فالأولى بالدولة وناصحيها ومحرضيها الاهتمام بمعركة تلبية احتياجات الوطن والمواطن وتفكيك وحل أزماته وقضاياه المزمنة وإعادة البناء لأسس مواطنية صحية قبل كل شيء، فالمواطن يستحق الكثير وقد انتظر أكثر مما يستحق! أفلا يدرك حافظ الشيخ وأمثاله الكثير عواقب أقواله ونصائحه المدمرة؟!
نحن لسنا بمغفلين حتى ننكر أن هنالك قوة إقليمية كبرى لها نفوذها الاستراتيجي المتعاظم في المنطقة وأطماعها التاريخية الكبرى، ولكن ألا يعلم صاحبنا أن الشروع سرا أو علنا بشكل مخطط ومنظم في استهداف «الآخر» ومزاحمته على مصادر الرزق والعيش الكريم وفي تمثيله السياسي وخنقه بكماشة حقوقية وتشريعية وتنفيذية محكمة إنما يعطيه ويمنحه بذلك الحق الفطري والمشروع بأن يسعى تلقائيا لِلَّوذِ والاستنجاد بالآخر والاستعانة به في مواجهة ما يلقاه من تهديد مضاد، أكان استنجادا مذهبيا مرجعيا أو استنجادا سياسيا أم خليطا بينهما؟!
فإلى أية نقطة يريد حافظ الشيخ أن يصل بنا بتلك الاستفزازات غير العاقلة وغير الموزونة ألبتة؟!
إن كان الاستهلاك العام المبتذل لمفردة «الصفوية» التاريخية بشكل سطحي أفقدها أبعادها وجذورها التاريخية الحقيقية وحولها إلى أشبه ما تكون بحمالة فريدة من نوعها لمضامين ومكنونات الإقصاء والتصفيات الطائفية، وحتى لهذيانات التوجس الجمعي، فإن حافظ يدرك قبل غيره أنه يوجد هنالك «صفويون» سنة يمارسون مختلف أساليب وممارسات الإقصاء والتصفية التنظيمية خضوعا لأسس فئوية وقرائبية قي مختلف مؤسسات الدولة وذلك ضد إخوانهم السنة وضد إخوانهم الشيعة وضد جميع من يقف حجر عثرة في تحركاتهم المنظمة، وذلك على رغم ما يمتاز به «الصفويون» السنة من مظاهر تدين أنيق وفارق، فعلامَ الإصرار على استغلال الريشة الطاووسية لهذا المصطلح التاريخي للعزف على أوتار التوجسات الطائفية الجمعية؟!
وإن شاء مني حافظ الشيخ نصيحة أخوية فستكون آتية له على المنهاج النبوي «قل خيرا أو اصمت» ساعة الشدائد والتأزيم، وإن أراد أن يواصل على المنوال الانتحاري ذاته فليته حينها ما عاد إلى ساحة الكتابة وما ذاق طعمها المر بعد طول غياب، فظاهرة كظاهرته هي أسوأ ما يتمناها مثقف لنفسه من نهاية تجعل ما وراءه عبثا وتقلبا وما أمامه هذيانا سياسيا وما دونه حريقا ودخانا قاتما، فشخصية مثله ذات حصيلة لغوية ثرية وثقافة عالية وخبرة تراكمية حافلة وطاقات باهرة كان دون شك يتوقع لها مستقبل أفضل بكثير تحصد فيها ذروة الحكمة لا تقلبات وانحدارات الانتحار المبدئي والهذيان السياسي!
اذهب عنا وغادرنا يا أستاذ حافظ باحترام، واحرق في البعيد خشبك وأثاثك وتراثك الصحافي العتيق الذي بات منخورا ومقلقلا فيما لا يحتمل، ودعنا لوحدنا سنة وشيعة عسى أن نربي أبناءنا والأجيال القادمة على زراعة الأمل وعلى منهاج صلاة الاستسقاء، أملا في غيث الخلاص الوطني الجميل.
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1956 - الأحد 13 يناير 2008م الموافق 04 محرم 1429هـ