الرئيس الأميركي يزور المنطقة محملا بالكثير من الأفكار والتصريحات، والمراقبون يسألون: ماذا يمكنه أن يحقق في سنته الأخيرة من رئاسته للولايات المتحدة الأميركية، وهل بالإمكان التعويل على ما يطرحه من رؤى خلال هذه الزيارة؟
أحد المراقبين قال إن أميركا في عهد بوش «خسرت قوتها الناعمة واعتمدت كثيرا على قوتها الصارمة»... مفهوم القوة الناعمة يعني قدرة جهة سياسية ما على التأثير في الآخرين وفي الحوادث بصورة غير مباشرة، وذلك بالاعتماد على الطرح الثقافي والحوارات والمفاوضات الدبلوماسية. ويعتبر بعض علماء السياسة أن السبيل الأفضل للنجاح في عالم السياسة الدولية يمر من خلال القوة الناعمة، وليس القوة الصارمة، تلك القوة التي تعتمد على القدرات والإمكانات الضخمة التي تتقدمها الشوكة العسكرية.
التعريف الأساسي لمفهوم القوة هو القدرة على التأثير على الآخرين لحملهم على فعل ما تريد، ويمكنك أن تفعل ذلك إما عن طريق التخويف والترهيب (العصا وهي القوة الصارمة)، أو عن طريق الترغيب (الجزرة)؛ أو من خلال الإقناع والجذب للمشاركة في العمل المطلوب (القوة الناعمة). على أن ما حدث منذ العام 2001 هو أن الولايات المتحدة اتخذت من منطق القوة (القوة الصارمة) سبيلا للحصول على ما تريد، وبعد أن عجزت عن تحقيق كل ما تريد لجأت إلى قليل من أساليب الترغيب هنا وهناك... ولكن الأسلوبين مكلفان، ودليل ذلك ما يحدث في العراق وأفغانستان.
الخطأ ربما يتكرر بشأن كيفية التعامل مع إيران، فالإدارة الأميركية تتبع أسلوب الترهيب، وتؤشر إلى أن لديها جزرة فيما لو لم ينفع الترهيب، والنتيجة قد تكون غير سليمة في الحالتين. والأفضل ربما هو الاحتفاظ بالقوة الصارمة من دون استخدامها، واللجوء إلى القوة الناعمة التي يمكنها تحقيق الكثير من دون كلف باهظة.
القوة الناعمة تحتاج إلى النوايا الحسنة وإلى المحتوى الإنساني الذي يمكن لأكثر من طرف الشعور بالانتماء إليه والاعتزاز به، وهذا كله يتطلب طرحا مختلفا عما نراه في عالم السياسة المطبقة في منطقتنا. فمما يؤسف له أيضا أن بلداننا استلهمت أسلوب القوة الصارمة من أميركا وتطبقه محليا داخل مجتمعاتها، والنتائج المرجوة لا تتحقق كما خطط لها في البداية.
الغريب في الأمر أننا في دول الخليج نخصص أكثر أموالنا للأمن والدفاع، وقد صرفنا (بحسب مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأميركي) أكثر من 60 مليار دولار على مشتريات الأسلحة ما بين 1999 و2006، وهذا أكثر من ست مرات ما قامت بشرائه «إسرائيل» في الفترة ذاتها. وحتى مصر أنفقت أكثر من «إسرائيل» في الفترة المذكورة، ما يؤكد أننا في دولنا استلهمنا مبادئ «القوة الصارمة» الفاشلة أكثر من أي شيء آخر. وربما أن علينا أن نجرب استخدامات القوة الناعمة المعتمدة على الحوارات والإقناع والخطاب الغني بالمحتويات الإنسانية لنحقق لبلداننا أمنا واستقرارا ولمجتمعاتنا عزة وكرامة.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1956 - الأحد 13 يناير 2008م الموافق 04 محرم 1429هـ