من دون إمعان أو تأمل، يستطيع المراقب أن يلحظ جليا الصورة الحقيقية لنتيجة التصويت على تشكيل لجنة التحقيق في التمييز الوظيفي، إذ لم يكن الاصطفاف ضد تشكيل هذه اللجنة مختلفا قيد أنملة عن خريطة الدوائر الانتخابية التي أنتجت هذه التشكيلة البائسة لمجلس بائس فقير! مجلس كلما اقترب من فتح ملف يئن منه الوطن وجد معادلة الـ22 و17+1 واقفة في وجهه بالمرصاد، لتبقى صفة العمل بعد عام ونصف العام: مكانك سر!
ألا يعلم المناهضون للجنة التحقيق هذه أنهم أخجلوا الحكومة من حيث يشعرون أو لا يشعرون؟ أليس خوفهم من تشكيل لجنة تحقيق في التمييز دليلا على وجود هذا التمييز؟ وإلا من ماذا وعلى ماذا هذا الخوف والهلع من مجرد طلب تشكيل لجنة التحقيق هذه؟ أليس حريٌّ بهذه الكتل دعم الطلب حتى يكشفوا زيف «الوفاق» الذي تروّج له في كل محافلها؟ ألم تكن فرصتكم أن توقفوا هذه الجمعية التي لا تجيد العزف إلا على موّال التمييز عند حدها؟ ولو كنتُ مكانكم لقلت لها «اصطفلي» بلجنة التحقيق هذه، وخذيها. و «اللي في القدر يطلعه الملاس» كما قال الفنان عبدالحسين عبدالرضا عندما ترافع عن عجوز «درب الزلق».
ما هكذا تورد الإبل أيها الـ22 نائبا! أضعتم على الحكومة فرصة صك البراءة من هذه التهمة التي تريد «الوفاق» أن تلصقها زورا على جبهة الحكومة، وكان بإمكانكم أن تبيّضوا وجه الحكومة لو سمحتم لـ «الوفاق» بالتحقيق في التمييز. فمن أين لها بدليل على ما تدعي وأنّى لها ذلك؟
صدقوني كان بيدكم أن تجعلوا «الوفاق» مسخرة في المجلس؛ حتى لا تعود إليكم بهذه المقترحات المحشوة بالافتراء على الحكومة المسكينة! لم تنتهزوا الفرص مع علمكم أنها تمر مر السحاب. ماذا لو رفعتم 22 يدا للتصويت بـ «نعم» لهذه اللجنة؟ فمن أين لـ «الوفاق» بدليل واحد على ما تدعي من «تمييز» و «خرابيط»؟ فلتحقق فيما شاءت فمن أين لها الدليل على التمييز وكل منظفي مجمع السلمانية الطبي من دوائرها؟ ومن أين لها الدليل وكل صبابي القهوة والشاي في مكاتب الوزراء من دوائرها؟ ومن أين لها الدليل وكل فراريش المدارس من دوائرها؟ ومن أين لها الدليل وكل سائقي الوزارات من دوائرها؟ ومن أين لها الدليل وكل نواطير الوزارات والمنشآت من دوائرها عدا النواطير العسكريين؟
كانت «الوفاق» في اليوم الذي تقدمت فيه بطلب لجنة التحقيق في التمييز وضعت رجلها في الفخ ولكنكم بعجلتكم رفعتم رجلها وأنقذتموها من عار كان سيلاحقها مادامت تتنفس هواء السياسة، وضاعت عليكم وعلى الحكومة الفرصة الذهبية، وكان بيدكم أن تلقموها حجرا يمنعها أن تقترح اقتراحات لا جدوى منها إلا تضييع وقت المجلس فهو مشغول بمناقشة مقترح إطلاق اللحى، والسماح بالنقاب للسائقات، وزيادة ثلاجات الموتى في المشرحة، «آل إي آل تمييز آل».
كانت فرصة دحض دعاوى التمييز مقدمة إليكم على طبق من ذهب أيها النواب الـ22 فقلبتم الطبق على أنفسكم، وأعطيتم «الوفاق» الحجة للاستمرار في الحديث عن التمييز، على رغم أن غالبية الوزراء والوكلاء والمديرين ورؤساء الأقسام أيضا من دوائرها، فضلا عن فتح باب التوظيف على مصراعيه في وزارتي الداخلية والدفاع للعاطلين في دوائرها، من دون سؤال عن مذهبه أو انتمائه في استمارة التوظيف!
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ