تأتي زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش للبحرين التي وصل إليها بعد ظهر يوم 12 يناير/ كانون الثاني 2008 أول زيارة لرئيس أميركي لهذه الدولة منذ استقلالها العام 1971، ومن هنا تكتسب أهمية خاصة تنبع من أربعة اعتبارات.
الأول: إن البحرين تستضيف الأسطول الأميركي الخامس وهو أهم أسطول لها في المنطقة والمنوط به العمليات الحربية البحرية.
الثاني: إن البحرين أول دولة في المنطقة تحصل على وضع الحليف للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ العام 1999، كما تعد أول دولة تعقد اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة أدت إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري لما يقرب من مليار دولار، كذلك نادت بالاستثمارات الأميركية في البحرين، وإن أدى عقد الاتفاقية إلى توتر في العلاقات البحرينية - السعودية وأثر ذلك على ما تحصل عليه البحرين من حقل أبوسعفة النفطي بعد تطويره.
الثالث: إن البحرين أول دولة خليجية تطلق مبادرة الإصلاح السياسي حتى قبل أن يطلق بوش دعوته في هذا الصدد.
الرابع: إن البحرين دولة تتسم بالاعتدال السياسي وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع الكثير من الأطراف المتنازعة مثل الولايات المتحدة وإيران ومع الفلسطينيين بفصائلهم، كذلك لديها انفتاح محدود مع «إسرائيل» إذ التقى عدد من القادة والسياسيين البحرينيين نظراءهم من «إسرائيل» على هامش الاجتماعات الدولية.
وهذه الاعتبارات تجعل للبحرين موقفا متميزا من السياسة الأميركية الداعية للإصلاح والديمقراطية والتجارة الحرة ونحو ذلك من السياسات التي تطلقها الولايات المتحدة وإن كانت لا تمارسها بمعيار واحد في تعاملها مع الدول المختلفة.
وكان استقبال جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة استقبالا رائعا ما بين الطابع المراسمي والطابع الشعبي من خلال الرقصات الفلكلورية الشعبية التي شارك فيها الرئيس بوش.
ولو ألقينا نظرة تأملية بعيدة عن المحادثات الرسمية وأسرارها فإنه يمكن إبداء الملاحظات الآتية:
الأولى: إن الرئيس بوش يعتبر بالتعبير الأميركي الدارج بطة عرجاء في عالم الانتخابات ولذلك لا يتوقع أن يقوم بتحرك عسكري فاعل ضد إيران ما لم يضطر إلى ذلك نتيجة الخطأ في الحسابات أو الاحتكاكات كما حدث بين زوارق إيرانية وبوارج أميركية في مضيق هرمز منذ أيام قلائل.
الثانية: إن أي قرار للرئيس الأميركي بمهاجمة إيران سيواجه الكثير من العقبات. فالكونغرس يسيطر عليه الديمقراطيون، والإدارة منقسمة بعد صدور تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن موقف إيران من متابعة برنامجها النووي العسكري، كما أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي يزور إيران في توقيت جولة بوش في المنطقة نفسه وهو توقيت ذكي استهدف إبراز تعاون إيران مع الوكالة الذرية.
الثالثة: إن دول الخليج وفي مقدمتها البحرين تتسم قياداتها بالذكاء الفطري النابع والمعزز من التجربة وهو أن السياسة الأميركية لا أمان لها وأنها لا تتورع عن التخلي عن أصدقائها إذا تعارضت المصالح أو إذا حققت أميركا مصالحها مع أي حليف، وتخليها عن شاه إيران وعن باكستان عدة مرات وعن قادة في أميركا اللاتينية خير أمثلة على ذلك. ولهذا لا يرغب قادة الخليج في وضع البيضة في السلة الأميركية التي هي سلة مليئة بالثقوب والمسامير.
الرابعة: إن قادة الخليج - والبحرين في مقدمتهم - حريصون على الحوار مع إيران بصفتها دولة جارة مهمة، ودولة إسلامية كبرى على رغم ما لهم من تحفظات عن السياسة الإيرانية، كما أنهم يؤيدون أن يكون لإيران برنامج نووي سلمي مثلها في ذلك مثل أية دولة عضو في الأمم المتحدة، وأن كل ما يتطلعون إليه أن تبدي إيران مرونة تجاه مشاغلهم وقضاياهم وفي مقدمتها: مخاطر التسلح النووي الإيراني على أمن الخليج وسلامته، مخاطر التدخل الإيراني في الشئون الداخلية تحت دعاوى مختلفة منها تلك الدعاوى التي يرددها حسين شريعتمداري عن استقلال البحرين وسيادتها، ومنها الدعاوى الإيرانية بشأن جزر الإمارات الثلاث المحتلة، ومنها تسمية الخليج بالفارسي وهم اسم تاريخي طرأ عليه التغير شأنه في ذلك شأن كثير من الأسماء التاريخية. ولولا الخوف من مطامع إيران ما كان للتسمية أي قيمة حقيقية؛ فبحر العرب ليس ملكا للعرب والمحيط الهندي ليس ملكا للهند، كذلك لو أطلقت تسمية الخليج الفارسي فلن يكون ملكا لفارس التي هي ذاتها زالت من الوجود امبراطورية واسما؛ لأن الدولة القائمة اسمها إيران وليس فارس.
من هذه الملاحظات يمكننا أن نخلص أن الرئيس الأميركي بوش سيخرج من زيارته للبحرين ودول الخليج الأخرى بكلمات تعبر عن النوايا الطيبة ولكن بالتأكيد لن يسجل قادة الخليج أسماء دولهم في القائمة الأميركية للحرب على إيران كما لم يسجلوا دولهم في قائمة الحرب على العراق وغزوها لاعتبارات سياسية وقانونية وأخلاقية؛ لأن هذه الحروب تعبر عن حرب عدوانية للهيمنة وليس عن حرب عادلة مثل حرب تحرير الكويت أو تحرير فلسطين.
ولاشك في أن الزيارة هي أقرب إلى ممارسة الدبلوماسية العامة لتحسين صورة الولايات المتحدة المتدهورة.
ولعل رد الفعل الشعبي في البحرين هو أبرز ردود الفعل الشعبية في المنطقة العربية بأسرها. وهو رد فعل عبّر عن حقيقة أساسية ذات شقين: أولهما مدى الحرية التي يتمتع بها الشعب البحريني وكذلك ما لدى هذا الشعب من حيوية سياسية وانتماء قومي إسلامي وعربي. وثانيهما مدى ما تدهورت إليه الصورة الأميركية التي تحمل شعارات الحرية وتساند العدوان الإسرائيلي البشع ضد الشعب الفلسطيني المغتصبة حقوقه.
هل يمكن لهذه التأملات أن تنقل إلى من يرغب في أن يسمع أو يرى من المسئولين الأميركيين حقيقة المشاعر العربية تجاه السياسة الأميركية ومواقفها ضد العرب والمسلمين على رغم أن الشعوب العربية مثلها مثل الكثير من الحكام تكنّ إعجابا كبيرا بالشعب الأميركي وفكره ونضاله ضد الاستعمار البريطاني وضد النازية ورفعه شعارات الحرية والعدالة والاستقلال كما في مبادئ وودرو ويلسون الأربعة عشرة التي أشهرها حق الشعوب في تقرير مصيرها؟
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ