اعتاد الرئيس الأميركي جورج بوش زيارة العراق كلما قرر مغادرة أراضي الولايات المتحدة. فهو يزور بغداد إذا زار شرق آسيا. ويعرّج على المنطقة الخضراء إذا حضر مؤتمرا في أوروبا. ويمر بالأنبار إذا التقى رئيس المكسيك المحاذية للأراضي الأميركية.
العراق الذي من المتوقع ان يزوره بوش يختلف عن عراق الزيارات السابقة. فهو الآن يعيش مرحلة تأسيس كتل وجبهات وتحالفات حزبية متناقضة تهدف بعضها الى تغيير المسار السياسي الذي رسم ملامحه العامة الدستور قبل عامين.
زيارة بوش للعراق - شبه المؤكدة - التي ستكون مفاجئة كالعادة وخارج جدول زيارته للمنطقة ربما هي الآن أهم من كل الزيارات السابقة. فهي تأتي في مرحلة مفترق طرق بالنسبة إلى الحكومة والكيانات السياسية التي بدأت مع أول ملامح استقرار أمني لتشكيل كتل وتحالفات سياسية متعددة.
رسميا في العراق الآن ثلاث كتل سياسية إحداها حكومية «رباعية»، والأخرى «ثلاثية» حكومية - خارجة من الحكومة، والثالثة تتشكل من النواب غير المنضوين تحت أي من الكتلتين الأوليين.
تسعى الكتل الثلاث في مجملها إلى تمرير مشاريع قوانين مازالت عالقة في مجلس النواب أو تأخيرها. أول مشاريع القوانين هذه هو تحديد مستقبل مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، وقانون النفط والغاز، والاتفاق الذي من المؤمل توقيعه بين واشنطن وبغداد لتحديد العلاقة بين الدولتين قبل انهاء الاحتلال وبعده.
الكتل السياسية المتشكلة تنتظر الآن ما سيقرره بوش بشأن زيارة العراق، ولاسيما أن كل هذه الكتل كانت لها تجارب مع زيارات بوش السابقة. فإذا نظرنا إلى آخر اهم زيارتين قام بها مسئولان اميركيان مهمان للعراق نعرف أن هذه الزيارات لم تعد تحمل طابعا رسميا بروتوكوليا. بل هي اقرب الى اشارات سلبية موجهة ضد الحكومة والقائمين على العملية السياسية.
زيارة بوش للعراق العام الماضي حملت موقفا معاكسا لرأي الحكومة وداعما لمجالس الصحوة. فبوش الذي لم يزر بغداد في المرة السابقة وقرر استبدالها بمحافظة الأنبار، واختيار هذه المحافظة - التي كانت في السابق مأوى آمنا لتنظيم «القاعدة» - مكانا للقاء أركان الحكومة والرئاسة، بيّن ان واشنطن تؤيد من يحقق اهدافها، ولاسيما محاربة الارهاب حتى إن كانت مجالس الصحوة المشكلة من دون موافقة بغداد هي القادرة على تحقيق هذه الأهداف.
أما الزيارة السابقة لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للعراق فقد كانت هي الاخرى من بوابة غير بوابة بغداد، إذ زارت أولا مدينة كركوك قبل التوجه الى العاصمة؛ مما فسرت بأكثر من تفسير عن سبب اختيار هذه المدينة المتنازع عليها عراقيا وإقليما لتكون بوابة رايس للعراق، وخصوصا أنها جاءت بعد لقاء رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الرئيس الأميركي جورج بوش، كما جاءت مع بداية التعاون الأميركي - التركي لقصف مواقع حزب العمال الكردستاني شمال العراق، لتقول - عند الأكراد الداعمين الرئيسيين للعملية السياسية - إن أميركا غير مستعدة لتبديل تركيا (صاحبة ثاني أكبر جيش بعد الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي والجارة المهمة لروسيا وإيران) بكل ما تمثله من ثقل على الساحة الدولية والإقليمية بإقليم فتي ككردستان مع كل الخدمات التي قدمها ويقدمها إلى الغرب.
في انتظار بوش الذي قد يأتي، وقد لا يأتي، تظل زيارة بوش المتوقعة من قبل ساسة بغداد الذين فضل معظمهم تأجيل رحلاتهم الخارجية هذه الأيام، حاملة الكثير من مؤشرات بلاد الرافدين وملامحها خلال ما تبقى من ولاية بوش الرئاسية.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1954 - الجمعة 11 يناير 2008م الموافق 02 محرم 1429هـ