أن يكون لديك صديق أو أصدقاء أوفياء في «مجلس الشورى» لا يفرطون بصداقتهم معك ساعة الشدائد فذلك يعني أنك ذو حظ عظيم، فبشر المبشرين!
أن يكون لديك صديق ذو وجاهة ونفوذ شوروي بارز وعلاقات مصلحية راسخة مع كبار المسئولين وصناع القرار بالدولة فذلك يشير حتما إلى إمكان أن تحظى ذات يوم بفرصة أن تكون على رأس هيئة، سواء أكانت هذه «الهيئة» مؤسسة وقطاعا سابقا، أو حتى مزرعة إقطاعية وثلاجة و «حوطة» في أسوأ الأحوال!
ويصبح في النهاية من حقك ومن حق كل فرد منا لديه أصدقاء أوفياء في «الشورى» أن تكون له هيئة خاصة به ومفصلة حسب مقاسه ومستوى رؤيته، ليفرغها من مضمونها المؤسسي الجماعي مشغلا لصوغ وتصميم مشروعاته وأحلامه الخاصة!
وحتى أكون صريحا وممتنا فإن ما دفعني وما حفزني أولا وآخرا على مواصلة طرح وتناول موضوع «هيئة الثقافة والتراث الوطني» المنتظرة هو ما لقيته من دعم وتشجيع كبير وردود فعل غاية في الإيجابية من قبل عدد كبير من المثقفين المتعددي الانتماءات والمشارب والاختصاصات من مختلف المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وقبلها مساندة وشكر وامتنان وعرفان أكبر شرفني به عدد لا بأس به من الإخوة المحترمين موظفي ومسئولي القطاع الذين أكدوا صحة ما ورد في مقالنا السابق «هيئة الثقافة والتراث الوطني»: تهيئة فارقة أم خلع شرعي؟! «من أزمات ومصائب يندى لها الجبين، وبأن هذه الأزمات والتصرفات ساهمت بشكل أو بآخر فيما لحق بالثقافة والتراث الوطني من وبال لا أمد له، واعتبروا أن ما ورد في مقالنا ليس إلا غيض من فيض لم تتطرق له الصحافة بشكل كاف، وطالبوا بعدم ذكر أسمائهم خوفا من تعجيل تعرضهم للعقاب والانتقام غير المستبعد ممن يهمه ويعنيه الأمر في هذا «القطاع» المقتطع خارج حدود المؤسسة وخارج الدولة العصرية!
وإن كان الأخ الفاضل عيسى أمين الذي كتب ردا متوقعا على هذا المقال الأسبوع الماضي، وعلى رغم أنني فضلت عدم الرد على مقاله الذي كان بالنسبة لي أقرب إلى المرافعة، نظرا لكون أزمات هذا القطاع الذي سيصبح «هيئة» بتفصيل «الشورى» قريبا أصبحت أمراَ مشاعا ومسلما بديهيا على نطاق عام، ودائرة الاستياء تجاه التخبط والأسلوب الإداري السيئ المتبع من قبل المسئول الأعلى لهذا القطاع داخليا هي في ازدياد مستمر وبدأت تشمل أقرب المقربين، ولكن نظرا لكون مقال أو مرافعة صاحبنا الفاضل أتت حافلة بسوء الفهم والتأويل والابتسار واللف والدوران والتجاوز عن محاور رئيسية، أيا كانت نية صاحب المقال، فإننا حسمنا في النهاية أمر الرد والتعليق على ما جاء بهذا المقال للإضافة والإفادة!
اتهامات
اتهمنا الأخ عيسى أمين في بداية مقاله أو في رأيه الآخر بأننا نلتقي مع غيرنا في نقدنا لـ «قطاع الثقافة والتراث الوطني» في «مشروع واحد وهو تشويه إنجازات الآخرين وتشكيك شامل في كل ما يقومون به..الخ»، وهو بذلك إنما يمارس في نظرنا خلطا وتعميما جائرا قد يحسب تضليلا يستخدم بشكل مكشوف لكبح ولجم جميع من يتجرأ على نقد القطاع وأداء وأسلوب سيدة هذا القطاع ربما لأنهما قد «تعالت سبحانيتهما»!
فربما ما لا يعرفه عيسى أمين وغيره هو أننا كنا ولانزال مع زملائنا في خندق تضامني واحد مع «قطاع الثقافة والتراث الوطني» وسيدة هذا القطاع في التصدي لإرهاب الرجعية والتخلف الظلامي ذي المرامي الانتهازية الذي مارسه البعض ضد فعاليات القطاع بمهرجان «ربيع الثقافة» الذي لا يختلف عاقل حول تميزه وتألقه، وقد كانت لنا خلالها مواقفنا المبدئية الصريحة المساندة لهذا المشروع الوطني ذي الآفاق العالمية الذي لا نختلف أبدا مع أهدافه السامية، وبإمكان الأخ عيسى أمين أن يطلع على هذه الوقفات التي نتشرف بها في أرشيف مقالاتنا بالموقع الإلكتروني لـ «الوسط»، ولا أظن أننا بحاجة إلى تزكية منه ومن غيره من إخوة على مواقفنا ومواقف زملائنا المعلنة والمعروفة التي أكسبتنا وكلفتنا الكثير في الوقت ذاته!
ونحن مرة أخرى نقف مبدئيا متضامنين مع «القطاع» وسيدته في خندق واحد ليس إلا لنصرة هذا القطاع في حربه الطاحنة مع روحين متنازعتين في جسده، وهي روح مؤسساتية قانونية، وروح أخرى إقطاعية ورجعية استحوذت على القطاع وجعلته للأسف ملكا خاصا يعبر عن وجهة نظر ورؤية وأسلوب وذوق مفروض على جميع الوسط الثقافي والفني والإبداعي البحريني، فكانت «المؤسسة» و «القطاع» أشبه بـ «يخت فخم» تائه في عرض البحار دون بوصلة وجهة نهائية!
الأخ عيسى أمين يتهمنا بأننا نقوم بـ «تحقير عقول الناس ومدى إدراكهم وفهمهم» حينما نصف من يدافعون عن «القطاع» وبالأحرى سيدة هذا القطاع والآمر الناهي بأنهم «مخدوعون» و «مطبلون» و «منتفعون» وغيرها من أوصاف، ولكن مهلا يا أمين فإننا لم نقم إلا بإيصال الصورة الواقعية والحقيقية ذات الأبعاد المزدوجة والمتعددة إلى القراء الأعزاء عن حقيقة من يدافع ويزبد ويرعد ويقدس «القطاع» و «سيدة القطاع» ويهاجم كالفدائي من ينبس ببنت شفة نقدية في حقهما!
فما هو اللقب والتصنيف المناسب الذي سيطلقه الأخ عيسى أمين على من استغل علاقاته المصلحية الخاصة تلك مع من يهمه الأمر في هذا «القطاع» وتمكن جراء ذلك من توظيف شقيقته وزوج شقيقته في هذا القطاع، وكأنما ليس في هذا البلد إلا هذا الولد؟!
ما هو المسمى الأنسب لوصف من استغل عموده الصحافي دفاعا عن «سيدة القطاع» قبل دفاعه عن «القطاع» عسى أن يحصل وظيفة لنجله، فصارت «السالفة» أمومة رائعة وصحافة مخزية ومتواطئة؟!
وكيف نصف من لم ير «القطاع» وأهل وموظفي «القطاع» وقبلهم جميعا «سيدة القطاع» إلا من منظور زياراته لفعاليات هذا القطاع في المراكز والبيوت والصالونات الخاصة وحصوله حينها على ترحيب راق، لا خلاف عليه، و «سمبوسة حلوة» شهية تدمر صحته «شفاه الله»، لا خلاف على ذلك أيضا، بالإضافة إلى مقعد في الأمام و «مداخلة» له الحق في أن يطيلها ويمددها كيفما شاء، فهو من الصنف الذي «يهذر» ويلغو أكثر مما يقرأ ويكتب؟!
كيف وما هو المصطلح الأنسب لوصف حالة مقاول صحافي و «بزنس مان» عتيد لطالما كرس الصفحة تلو الصفحة في تمجيد وتخليد «إنجازات القطاع» بوصفها تخص جميعها «سيدة القطاع» أولا وآخرا وليس الجنود المجهولين والضحايا الذين تم تفريغهم أو تصريفهم أو تهميشهم وإقصاؤهم وتحويلهم بعيدا، وذلك ليس إلا لكون هذا المقاول والمضارب الصحافي يبدو وكأنما حصل على حق حصري في تقديم الندوات والأوراق عسى أن ينقذه ذلك من أزمة الاغتراب اللغوي والثقافي التي يعيشها في مجتمعنا العربي المسلم؟!
وهل من اللائق أن توصف الانتقادات الموجهة لـ «سيدة القطاع» من قبل البعض بأنها «تمييز جندري» في حين يغض الطرف عن التمييز الممارس في «القطاع» تجاه الموظفات والعاملات اللواتي يرتدين الحجاب والعباءة في القطاع بدعوى أنهم «يوحين بالكآبة» و «رجعيات» و «لا يصلحن بذلك لأن يجذبن أنظار الضيوف والزوار إلى قلب الفعالية»، وهو ما يمثل في حد ذاته أكثر أشكال التدخلات الفجة في الخيارات الشخصية المصانة قانونيا؟!
فكيف إذا سيصنف الأخ عيسى أمين جميع الحالات الآنفة بين «مخدوعين» و «منتفعين» و «متمصلحين» و «مغتربين لا يجيدون العربية الفصحى»؟!
في جزئية أخرى من المقال ينتقد الأخ عيسى أمين تطرقنا إلى انتقاد «الصالونات» و «البروشور» و «باقات الزهور»، ويشير لنا بأهمية وجودها جميعا لاستقبال كبار الضيوف والترحيب بهم، وهو خلط وسوء فهم يبديه أمين وحده لما ورد في مقالنا، فنحن لم ولن نختلف مع أمين في الحاجة إلى تلك العناصر الضرورية لتهيئة استقبال لائق بكبار الضيوف أساسا إلا أن مكمن الخلاف هو في الكلفة العالية والخيالية التي تأتي لحساب كماليات وسفاسف تنتقص من حساب الكثير من الأمور التنظيمية الرئيسية التي كان من الممكن استثمارها في أفعال وإنجازات عظيمة يعم نورها الجميع فيما لو كانت هنالك رؤية عقلانية عملية معمول بها؟!
وأخونا أمين قد تجاوز ما أشرنا إليه ناحية «ثقافة الصالونات» السائدة التي حولت كل ما هو عام إلى خاص أو حدائق إقطاعية معلقة، وباعدت كثيرا بين الثقافة والمجتمع، وحصرت المنتوج والمعروض الثقافي والإبداعي على نخبة النخبة والصفوة المصطفاة، وفي الوقت ذاته أهملت وهمشت العديد من الفعاليات الثقافية والتراثية التي لطالما جذبت ألاف الزوار والسياح ومنها «مهرجان التراث» الذي تراجع دوره كثيرا في الآونة الأخيرة وأصبح كحال النبتة الميتة المنتظر سقوطها واقتلاعها بعدما قطع عنها الماء لصالح تنمية ثقافة الصالونات وثقافة «الصناديق المبيتة» لا فضاءات وعوالم «الليوان» و «الفرجان» المتآلفة!
دفاع
الأخطر من كل ذلك هو أن الأخ عيسى أمين وقع في ما يقع فيه جميع المدافعين والمنافحين عن «القطاع» وعن «سيدة القطاع»، فنسب لهما إنجازات أتت كحصيلة تراكمية تاريخية خطط للعديد منها في العقود السابقة ولم يتم تنفيذها إلا حاليا في الفترة الأخيرة نظرا لملائمة الظروف الحالية لذلك بعد أن فتحت الأبواب في هذه المرحلة أمام الاستثمارات وأمام الحق في الحصول على مساعدات ورعاية خاصة لمشروعات ومبادرات ووظائف ينهض بها القطاع العام، وذلك بعد أن كان تلك الخطوات في عداد ما هو منسي وغير مسموح به في عقود ومراحل سابقة، وهو ما ساند ودعم بقوة من حظوظ مشروعات ومبادرات «سيدة القطاع» صاحبة الكاريزما والنفوذ والعلاقات العامة الواسعة في أن تحصل بسلاسة على دعم ومساندة المصارف والمستثمرين وأصحاب المشروعات الكبرى، وهو منطقياَ وقياسيا أقرب بالتالي إلى أن يكون وليد الصدفة وحسن استغلال الفرص السانحة على طبق من ذهب من أن يكون امتيازا خاصا لها أو لغيرها كما يسوق البعض ذلك بتوهم سطحي، وكأنما يسعى لأن «يطز» عيون الجميع حتى يتسنم نجله وظيفته الموعودة!
أما الأسوأ فهو أن يخلق ويصطنع الأخ عيسى أمين - بقصد أم من دونه - صورة طوباوية متخيلة لبيئة العمل الجماعي المنسجم داخل القطاع، وما أدت إليه تلك البيئة المتخيلة لدى أمين وحده من تحقيق إنجازات خالدة!
وبما أن الأخ عيسى أمين حسب علمنا ذو علاقة خاصة ومميزة مع «سيدة القطاع» وهو ذو زيارات متكررة للقطاع لا تنقطع، فإننا ندعوه لأن يلتقي بنفسه مع موظفي القطاع على حدة حتى يكون مطلعا على حقيقة الوضع ويتلمس لوحده حقيقة المعاناة على ألا يقتصر اللقاء فقط على «الشلة المقربة» فقط، وليستغل أمين تلك الفرصة ليطلب من «القطاع» أن يزوده مثلا بوثيقة تكشف حقيقة ووضع الإثبات لملكية أراضي منطقة «قلعة البحرين» حتى يتثبت من أن تلك الإنجازات لن تتطاير ذات يوم أدراج الرياح!
فليقابل الأخ عيسى أمين - الذي نكن له كل الاحترام والتقدير - تلك الكوادر البحرينية الأصيلة والمهمشة في هذا القطاع حد الإقصاء والنبذ ليس لسبب سوى أنهم لا يروقون لذوق ومزاج ورؤية «سيدة القطاع»!
هذه الكوادر الأصيلة المعذبة ذات الشهادات الجامعية المتخصصة والخبرة العريضة والواسعة ميدانيا تعاني الويلات، وتتمنى كما تفضي لنا ولغيرنا بأن تنال ولو ابتسامة وتقدير من «سيدة القطاع»، فكلمة «شكرا» أو «يعطيكم العافية» لوحدها تكفي!
هذه الكوادر الغالية من أبناء البلد تتمنى وتحلم بأن تجتمع بهم «سيدة القطاع» والآمرة الناهية فيه، فتقابلهم وتبحث مشكلاتهم الوظيفية ومقترحاتهم وتستغل طاقاتهم وتشركهم في العملية الإنتاجية المثلى بما يليق بخبراتهم ومعارفهم!
هذه الكوادر المهنية العالية التي تنتمي لهذا البلد المعطاء تأمل في أن يأتي يوم مبارك تقف فيه «سيدة القطاع» على رؤوسهم وتحاسبهم على ما أنجزوه وما سينجزونه من وظائف ومهام تناط بهم؟!
هذه الكوادر البحرينية الغالية تسرف حلما فيما لو تمنت عدلا وإنصافا من «سيدة القطاع» في منحها قسطا لائقا من التدريب والعناية الممنوحة لـ «الخبرات الأجنبية» و «أنصاف الخبرات الأجنبية» و «أرباع الخبرات الأجنبية»، وتتمنى أن توضع هنالك استراتيجية للاستثمار في تدريب وتطوير وترقية هذه الكوادر البشرية بشكل حيوي ومتجدد قبل الاستثمار في «الأطلية» و «الأصباغ» و «البروشورات» بزعم الثقافة!
وبما أن الأخ عيسى أمين يتفق معنا في ما ذكرناه بشأن «العمل من أجل «هيئة متميزة فاعلة ومرحلة جديدة من العمل المؤسسي العام»، وهو عيسى أمين نعرفه ويعرفه الكثير من المواطنين قبلها كأحد أفضل الأطباء البحرينيين المتميزين في علاج أمراض الكلى والمسالك البولية، فحبذا لو أنه يكرس جهوده الوسائطية والتطوعية الخاصة تلك في علاج المسالك والخطوط الإدارية الحيوية داخل وخارج «القطاع» بين «السيدة» والموظفين وبين النخب المثقفة في البلاد حتى لا يزداد الوضع سوءا واحتقانا وتلوثا عما هو عليه فيزداد «فرق تسد»، وتدفع الثقافة والتراث ثمن كل ذلك التهاون والتيه!
سيكون ذلك أفضل بكثير من أن يقوم أخونا الطبيب والناشط المتطوع لخدمة التراث والآثار «بالتسليك» أو صناعة مسالك أخرى لمرور إنجازات تلو إنجازات أشبه ما تكون بومضات «الفلاش» المتلاشية في الفراغ، فهل سيلبي أخونا الفاضل الدعوة ويستجيب للنصيحة الأخوية؟!
لو فعلها فسيكون حينها حوارا محترما، نرجو أن يكون مع المثقفين المؤمنين بأدوارهم الاجتماعية التنويرية، لا حوارا مع فدائيين أوفياء ففي ذلك مضيعة للوقت ومخالفة لأحكام الفطرة الربانية!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1954 - الجمعة 11 يناير 2008م الموافق 02 محرم 1429هـ