الدعوة التي وجّهها وأطلقها نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى أصحاب دور النشر والناشرين في العالم العربي بأن في إمكانهم ترجمة ونشر ألف كتاب جديد سنويا تشكل تحديا لمجتمع الثقافة والعلوم العربي في أن يتمكن من تحقيق ذلك.
ودعا الشيخ محمد أصحاب الفكر والبحث والإبداع والموهبة إلى أن يتقدموا بأفكارهم الجديدة ومشروعاتهم إلى مؤسسته «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» التي سيجدون منها كل الدعم والاهتمام، معلقا: هل بإمكانهم ترجمة ونشر ألف كتاب جديد سنويا؟ «شمروا عن سواعدكم ونحن لها».
هذه الدعوة الجادة والمخلصة تفتح الأبواب على مصاريعها لجهود الترجمة والتأليف والنشر، فلا يبقى عذر لمتقاعس أو كسول أو متلذذ بعالمنا العربي والإسلامي، وهي بالتالي تغلق الأبواب أمام محاربة الإنتاج الفكري أيا كانت هذه المحاولة، ومن أي مصدر انبعثت، ومن قبل من.
هذه الدعوة تشكل انقلابا (أبيض) ضد المقاصد القديمة لحرية الفكر والإبداع، وتصنع مستقبلا جديدا على جميع الأصعدة وجميع الميادين لا تكفي إزاءه مليار «شكرا» للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على دعوته العملاقة الصادقة كل الصدق، بل إن هذه الدعوة تمثل عيدا جديدا للكتاب لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال.
إن دعوة الشيخ محمد بن راشد هذه تثبت أن الشمس تشرق دائما مهما غطاها السحاب، وحجبها الضباب، فلدينا رجال عمالقة يعملون بفكر مستنير واع ومسئول، وهذا في حد ذاته مصدر فخر لا ينتهي، ومبعث أمل لا يخبو.
الدعوة «المكتومية» يشرق منها الجانب الإنساني قبل وبعد الجوانب الأخرى، لأنها تبرز الكرامة الإنسانية ممثلة في حرية الرأي، حرية التعبير التي تمثل أظهر صفات الإنسان التي ينافح عنها ويقدم التضحيات إثر التضحيات من أجلها من دون أن ينتظر جزاء أو شكورا.
ومن الجوانب المشرفة لدعوة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الدعوة لرجوع العقول المهاجرة والمهجرة التي عبّر عنها بـ «نزيف الأدمغة»، وهي تعني فيما تعني مغادرة العقول العربية والتغييرات المطلوب إحداثها لإرجاعهم والاستفادة من خبراتهم الواسعة في خدمة البلدان العربية وتطويرها، إذ سلّطوا الأضواء على عوامل الدفع للهجرة ومنها عدم وجود الفرص والحوافز والمكافآت التي توفر القدرة على الاستمرار والمنافسة وعدم وجود العدالة الاجتماعية والمهنية إلى جانب الأسباب السياسية والأمنية والتقسيم الطائفي والحروب، في الوقت الذي تقدم دول المهجر الفرص السخية والحوافز المجزية وتوفر العناصر المشجعة.
ومن العوامل المرتبطة دعوة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لاستعراض كيفية الاستفادة من العقول المهاجرة، وتحويل القضية من قضية نزيف الأدمغة إلى قضية اكتساب الأدمغة، إذ طرحت مجموعة من الأفكار التي من بينها اقتراح قيام مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بتمويل إنشاء معاهد وكليات وجامعات للتقنية والعلوم والإنسانية المختلفة، وجلب الكفاءات العربية المهاجرة لتصبّ خبراتها الكبيرة في هذه المؤسسات التعليمية.
إنها دعوة على أوسع نطاق يمكن أن تستفيد منها الحكومات والشعوب في عالمنا العربي والإسلامي تحول أفكارها، وتسخر قدراتها، وتبني حاضرها ومستقبلها، وتسير نحو المستقبل المنظور واثقة من نفسها وعلى بصيرة من أمرها.
هذا بعض ما تضمنته دعوة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الإنسانية المخلصة، فهل تستفيد حكوماتنا وشعوبنا من هذه الدعوة؟... نرجو ذلك.
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1953 - الخميس 10 يناير 2008م الموافق 01 محرم 1429هـ