في العام الأخير من ولايته، تذكّر الرئيس الأميركي الطيب جورج بوش آلام الفلسطينيين، فرقّ قلبه لهم وقرّر أن يمنحهم «دولة»! ولأن الضباب الكثيف منع مروحيته أمس من التوجه إلى رام الله، فإنه دخلها مجتازا أحد الحواجز، ما جعله يتلمس «الإحباط» الذي يشعره الفلسطينيون!
وليثبت لهم أنه حكمٌ نزيهٌ اختار أن يلتقط صورة مع إيهود اولمرت وهما يحملان قميصا رياضيا يحمل اسم دولة «إسرائيل»، وتحته اسم اللاعب «جورج دبليو بوش» بالخط الصغير!
وليقنعهم بأنه مصممٌ على تحقيق ما عجز عنه أسلافه، أعلن اعترافه بيهودية «إسرائيل»، وهي خطوةٌ عنصريةٌ لم يجرؤ عليها أحدٌ من الرؤساء الأميركيين من قبله.
بعد ذلك يأتي الدور علينا نحن العرب. فعلينا أن نسلّم أولا أن «إسرائيل» دولة مسالمة مثل الحمامة الوديعة، وعلينا ألا نفوّت هذه الفرصة التاريخية النادرة لتوقيع السلام.
وعلينا ثانيا ألا نسيء فهم ما تفعله «إسرائيل» من قتل ومذابح يومية، فهو مجرد دفاع عن النفس ضد الإرهابيين الفلسطينيين، الذين يجب تشديد الحصار عليهم حتى يموتوا من الجوع والعطش.
وعلينا ثالثا أن نمحو من ذاكرتنا الحروب السابقة، من 48 و56 و73، حتى اجتياح لبنان وحرق بيروت في 1982... يجب أن تنسوها إن كنتم تريدون الحل العادل والشامل والكامل لـ “مصيبة” الشرق الأوسط!
وأخيرا... علينا أن نعيد ترتيب حساباتنا، لنكتشف من هو عدونا الجديد، ومن هو صديقنا الحبيب، فـ «إسرائيل» لم تعد عدوتكم وإنما إيران، التي يجب أن تعدّوا ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل لمحاربتها!
هذه اللعبة انطلت علينا ثلاث مرات، وقد آن الأوان ليفهم السيد الأميركي أننا لسنا بلهاء ولا عبيدا نُقاد. ففي العام 1980، وبعد عام من ارتفاع أسعار النفط، دُفعنا للدخول في حرب دمّرت بلدين جارين، استنزفت مواردهما ومواردنا، حتى عاد سعر البرميل إلى الحضيض.
وفي العام 1991، شاركنا في حرب تحرير الكويت وتدمير العراق، وتم استنزاف موازناتنا حتى أصبحنا في عداد البلدان المدينة.
وفي العام 2003، قدّمنا كل ما طُلب منا من تسهيلات ومساعدات «جيوبوليتيكية» لغزو العراق، وعندما فرّ صدام حسين من وجه حليفتا الكبرى، أخذنا ندعو لمقاومة “المحتل” ونمجّد عمليات تفجير العراقيين في الشوارع، وعندما أعدم نصّبناه شهيدا لأمتنا العربية الخالدة!
هذه المرة، خزائننا ممتلئة بالمليارات بعد الارتفاعة الأخيرة في أسعار النفط، والثعلب واضعٌ عينه عليها، يحلم بأن يسترها لخزائنه مقابل أسلحة من الخردة التي لا نعرف كيف نستخدمها، وإذا استخدمناها ففي اتجاه الجبهة الخطأ.
لدغنا ثلاث مرات... ولسنا من الغباء بحيث نقبل اللدغة الرابعة!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1953 - الخميس 10 يناير 2008م الموافق 01 محرم 1429هـ