ليس الوصول إلى المعلومات حين تريدها أكثر سهولة من الماضي. تستطيع إيجاد فندق على خريطة تفاعلية، وحجز غرفة فندقية من أي مكان في العالم. تستطيع تسديد فاتورة في منتصف الليل وأنت تلبس البيجاما وأن تشارك أصدقاءك مشاهدة الصور حول العالم، بأقل من ثانية. يستطيع ثلث سكان العالم الوصول إلى المواقع الإلكترونية التي تمكن إجراء هذه العمليات عبر الإنترنت. أليس الأمر مدهشا؟
الأمر مدهش كذلك لأن هذه الأدوات التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات هي طبيعة ثانية للشباب، وفي العديد من الحالات، يقوم شباب في العشرينات من عمرهم بدفع عجلة هذه الاختراعات. هؤلاء الراشدون الصغار، الذين ولدوا في جيل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ركزوا معرفتهم وطاقاتهم وأفكارهم الخلاّقة ليستخدموا التكنولوجيا على الإنترنت بصورة أفضل.
الراشدون الشباب هم المجموعة الأهم في المجتمع المتشابك في عصر المعلومات الذي نعيشه. لقد نشأوا مع تكنولوجيا المعلومات، ومع مستوى الراحة والقدرة هذا وتطوروا من أطفال تستحوذهم ألعاب الفيديو ليصبحوا خبراء في التكنولوجيا وأصحاب أعمال مبتكرين.
يعتبر استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بصورة ذات معنى المفتاح الذهبي اليوم لنجاح الشباب. يشير حرف «e» الذي نضعه اليوم أمام الكثير من الكلمات (باللغة الإنجليزية) هذه الأيام إلى كلمات أساسية حيوية أخرى تبدأ بحرف «c» بالإنجليزية، كالتعليم والعمالة والابتكارية الخلاقة والتسلية. من الحاسم إذن تمكين الشباب من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، خصوصا في العالم النامي، في محاولة لرأب الصدع الرقمي.
نستطيع تلخيص الصدع الرقمي كفجوة بين هؤلاء الذين يملكون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومن لا يملكونها. قد يكون الناس منفصلين رقميا لأسباب عدة: قد لا يستطيعون تحمل نفقات وكلفة المعدات والبرمجيات، وقد لا تتواجد البنية التحتية الضرورية حيث يقيمون. وقد يفتقرون إلى التعليم والمهارات الضرورية لاستخدام التكنولوجيا بأسلوب له معنى. إضافة إلى ذلك إذا لم يجيدوا اللغة الإنجليزية فإنهم لا يستطيعون الاستفادة من غالبية المعلومات على الإنترنت.
لا يملك الرجال والنساء في الكثير من الدول فرصا متساوية للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تشكل هذه الفجوة في نوع الجنس مشكلة كبيرة، خصوصا في المجتمعات إذ لا تستطيع النساء الاستمتاع بنفس الحقوق كالرجال.
يحصل فقدان إمكانات الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هذا بشكل رئيسي في العالم النامي، وإذا لم يتم التعامل معه فإن الفجوة الرقمية ستتسع بسرعة تنامي التكنولوجيا نفسها.
نتيجة لذلك يعتبر التدريب على التكنولوجيا للشباب في العالم النامي أمرا حيويا أساسيا. تمكين الشباب في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لن يمكن الشباب من الوصول إلى معلومات أفضل وتحسين الاتصالات فحسب وإنما سيمكنهم كذلك من الاستفادة من التعلم الإلكتروني والحصول على فرص العمل إلكترونيا.
يستطيعون الحصول على نفس النوعية من التعليم كزملائهم في العالم من خلال برامج التعلم عبر الإنترنت.
يستطيعون كذلك نشر صحيفة المعلومات الخاصة بهم والحصول على مشورة مهنية وإيجاد مجالات عمل بل وحتى العمل عبر الإنترنت من خلال ممارسات العمالة الإلكترونية.
الأهم من ذلك كله، يستطيعون الحصول على التدريب الذي سيمكنهم من أن يصبحوا رجال أعمال ابتكاريين في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وأصحاب أعمال إبداعيين أنفسهم.
يعي المجتمع المدني في تركيا جيدا أهمية التكنولوجيا. طالما كانت منظمة الشباب غير الربحية الرئيسية في تركيا، وهي جمعية الشباب الموئل
(Youth Association for Habitat) رائدة في العمل الشبابي في الدولة منذ تأسيسها العام 1996. لقد قامت بتأسيس مراكز شبابية ومجالس ومبادرات ضمن هدفها تمكين الشباب من خلال مشروعات نشر الوعي وبناء القدرات عبر البلاد.
وقد قامت جمعية الشباب الموئل بتنظيم الكثير من مشروعات تمكين الشباب بشراكة مع عاملين في القطاعات العامة والخاصة والمدنية على المستوى الوطني. وتعمل هذه المشروعات على تمكين الشباب التركي بمهارات لحياتهم العملية المستقبلية في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا.
وقد جرى تطبيق مشروع تمكين الشباب للحكومة الإلكترونية في تركيا، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويعمل المشروع على تقوية المراكز الشبابية المحلية والمجالس التي يجري إنشاؤها من خلال برنامج الأجندة التركية المحلية 21، وهي مبادرة تهدف إلى توفير التنمية المستدامة من خلال البرامج المحلية. تم من خلال هذا الإطار توفير التدريب الأساسي على الحاسوب لأكثر من 2500 شاب وشابة خلال السنوات القليلة الماضية. وستوفر المرحلة الثانية، التي بدأت في مارس/ آذار2006 التدريب المئة ألف شاب إضافي من الأقل حظا اجتماعيا عبر السنوات الثلاث المقبلة. ويجري هذا التدريب حاليا في 43 مدينة عبر تركيا، وقد أظهرت النتائج الأولية أن العديد من خريجي البرنامج قد حصلوا على فرص عمل في صناعة التكنولوجيا التركية.
إضافة إلى الفوائد التعليمية والاقتصادية التي تم الحصول عليها نتيجة لهذه البرامج، يمكن للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تساهم في ديمقراطية عاملة.
مقارنة بالإعلام التقليدي، كالراديو والتلفزيون، يمكن لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ووسائل الإعلام الحديثة أن توفر اتصالا باتجاهين. وهذا يعني أن الجمهور لا يستطيع الوصول إلى المعلومات بشكل أفضل وإنما هو قادر كذلك على المساهمة في توفير المعلومات.
المعلومات تمكّن البشر وتحسن سبل الاتصالات بين المواطنين وممثليهم المنتخبين، مما يمكنهم من المشاركة كمواطنين نشطين والتعبير عن وجهات نظرهم في السياسة والقرارات التي تؤثر على حياتهم، مما يؤدي إلى مستوى أعلى من الديمقراطية التشاركية.
يؤدي تمكين الشباب في المجال التكنولوجي في دولة غالبية سكانها لم يبلغوا الخامسة والعشرين من العمر إلى تقوية الديمقراطية وتحسين الاقتصاد في تركيا.
*طالب دكتوراه ومحاضر بجامعة هلسنكي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1953 - الخميس 10 يناير 2008م الموافق 01 محرم 1429هـ