سيدخل يوم الثلثاء الثامن من يناير/ كانون الثاني 2008 التاريخ الخليجي مرتين: مرّة من بوابة مجلس الأمة الكويتي، ومرّة من نافذة البرلمان البحريني.
فيوم أمس الأول استجوب مجلس الأمة وزيرة التربية الكويتية نورية الصبيح في جلسةٍ ساخنةٍ استمرت عشر ساعات، على إثر اتهامات لها بتجاوزات وتراجع مستوى التعليم وحدوث اعتداء على أعراض طلبة... وأمام الوزيرة الآن الاستقالة أو الإقالة، والبرلمان مهدّدٌ بالحل.
أما في البحرين، فسيدخل الثلثاء الماضي بوابة التاريخ من باب أغرب موقف يمكن أن يتخذه ممثلو شعبٍ ضد مصالح الشعب الذي يُفترض أنهم يمثّلونه. فاجتماع ثلاث كتل (سلف وأخوان و«لا منتمين» يسمّون أنفسهم «المستقبل») على رفض تشكيل لجنة تحقيق في التمييز الوظيفي، سيعتبره المراقبون في الخارج دليلا على إدانة هذه الكتل لنفسها، بالتستّر على أوضاع ظالمة، والتورّط في الانتفاع من استمرارها كجماعات سياسية «طفيلية» حسب المصطلح السوسيولوجي، تعتمد على الواسطة والمحسوبيات وثقافة «الاستلام»، بعيدا عن كل الشعارات الأمميّة والدينيّة التي تتاجر بها وتخدع بها الجمهور المتديّن في هذا البلد الطيب.
هذه القوى الطارئة على ساحة العمل السياسي بموقفها غير المسئول وطنيا، هي مسئولةٌ مسئولية كاملة عن استمرار الاحتقانات والغضب العام، كما تتحمّل جزءا كبيرا من المسئولية عن احتقانات شهر ديسمبر الماضي، بسبب مواقفها طوال العام الأول من عمر البرلمان الجديد، الذي كرّس الإحباط لدى جمهور عريض كان يحلم بالتغيير الهادئ من داخل البرلمان. والفضل لهذه الكتل التي نجحت في زمنٍ قياسيٍّ جدا (أقل من عام) في إشاعة الإحباط وتكريس مشاعر اليأس القاتل بين الناس.
طبعا لو كتبتَ من الآن حتى يوم القيامة، تذكّرهم بسيرة ومبادئ السلف الصالح رضوان الله عليهم ليصحّحوا مواقفهم التي لا يُراد بها وجه الله، لجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا.
ولو ذكّرت التكتل الآخر بأن الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله) لو بُعث اليوم لكان أول المبادرين لدعم تشكيل لجنة التحقيق في التمييز الوظيفي... إحقاقا للحق وإقامة للعدل والمساواة التي كان ينشدها في حياته، فسينُغِضُون إليك رؤوسهم ويولون الأدبار وهم يجمحون.
لن ينفع في تغيير هذه النفرة الجاهلية أو علاج هذه العصبية الطائفية علاجٌ ولا ترياق. وموقفهم هذا لن يبيّض صفحة الجهات التي تمارس التمييز الوظيفي كما يتوهّمون، إنما يؤخّر علاج هذه الآفة التي تنخر في عظام الوطن، وتشيع البغضاء والشقاق.
إن هذا الموقف إنما يدين هذه الجماعات باعتبارها أول المنتفعين من «التمييز الطائفي»، القائم على المحسوبيات والولاءات والواسطات، بعيدا عن معايير الكفاءة والشهادات والمؤهلات، وهو أمرٌ لم يعد بالإمكان التستر عليه أو السكوت عنه، وخصوصا لما له من آثارٍ مدمّرة على النسيج الوطني والاجتماعي. ولكن... هل من الواقعي أن نطالب من يقتات على التمييز أن يحارب التمييز؟ ومتى انتصر للكفاءة من ارتقى كرسيا بالواسطة؟ إنكم تطلبون محالا، ومتى كان سيّد نفسه من يتلقى الأوامر بالتلفون!
في الكويت يحاسب النواب وزيرة على انتهاك عرض ثلاثة أطفال، أما في البحرين فيستنفرون للدفاع عن انتهاك براءة وطن والعبث بقيم ومبادئ الأرض وشرائع السماء
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1952 - الأربعاء 09 يناير 2008م الموافق 30 ذي الحجة 1428هـ