العدد 1952 - الأربعاء 09 يناير 2008م الموافق 30 ذي الحجة 1428هـ

إن البقر تشابه علينا!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يجرى حاليا التداول على نحو واسع لقوائمَ تفصيليةٍ جديدةٍ تحتوي على عناوين مقالات محددة تخص عددا من أعمدة وكتّاب الأجرة الصحافية، أو أعمدة السوق السوداء للصحافة وغيرها من مسميات رائجة، وإلى جانبها توضح تلك القوائم مقادير الأجرة الصحافية الممنوحة والمبالغ المرصودة نظير خدمات ما وراء ستار العذرية السياسية، وما تحت لحاف «الصدقية» و «الشفافية»!

وسواء أكانت قوائم الفضيحة تلك ممهورة بالصدقية وموثّقة بأدلة دامغة أم هي من بنات خيال وأفكار فرد أو مؤسسة أو شبكة ما، فإنه لا يختلف أي عاقل أبدا في خطورة ظاهرة تفشي التسقيط والتخوين لأفراد ومؤسسات ونشطاء وجمعيات ووكالات وكتّاب وكتبة وكتاتيب وغيرهم!

ولكنْ، على رغم كل ذلك التسليم بخطورة هذه الظاهرة، فإنه لا يمكن لأي عاقل ومنصف ومطلع أن يسقط من حسابات رؤيته وإلمامه بأن مثل هذه الظاهرة الخطيرة ما كان لها أن تتعزز ما لم يكن هنالك ما يدعمها ويغذيها بموارد الحيوية والاستمرارية من دون انقطاع. ومنها حالة سأم جماعي لا حصر له، وإحساس عام متفاقم بازدياد في انعدام الثقة بين قطاعات شعبية كبيرة ووجوه وأعمدة صحافية انقلبت جديا على ما اعتنقته من «مبادئ» و «قناعات» و «مثل» معلنة في يوم وليلة من دون تقديم مبرر أو أدنى تفسير. أو ربما هي وجوه صحافية ملمعة نبتت فجأة كـ «الفقع» في تربة الصحافة الندية، وكرست جهدها ووقتها المدفوع الأجر لخيانة الوطن ومواطنيه وقضاياهم المصيرية، وللترويج لخدمات الشحن والتحريض الطائفي والإلهاء والتعمية عن القضايا المصيرية ذات البعد الوطني، ناهيك عن دأبها الفاضح استخدام أقذع الشتائم والسباب الذي لا يقيده التزام ديني ولا تحلٍّ بحسن سلوك وأخلاق تجاه الرموز الوطنية والتنكر لتضحياتها التي تسلقوا على عتباتها وسرقوا الحصاد!

وبالإضافة إلى سعي تلك الوجوه الصحافية الحثيث إلى التنكر لآلام الناس وهمومها وإحباطاتها، وتصدير المزايدات تلو المزايدات النابشة عبثا في الولاءات الوطنية والمواطنية؛ في محاولة لابتزاز قطاع كبير بالمجتمع المحلي من خلالها وتعكير صفو الاستقرار العام للمجتمع، بالإضافة إلى تورط هذه الوجوه الصحافية الفاقدة للعذرية السياسية والملمعة حاليا بتلقي رشاوى بحسب تقارير مثيرة للجدل لم يتم حسم أمرها المكتنف بالغموض. ومع كل ذلك فإن هذه الوجوه «البليتة» ظلت تقدم إلى المجتمع «نصائحَ» و «دروسا» و «مواعظَ» عقب كل أزمة!

ولأجل ذلك قد لا يختلف جمع من المحبطين في أن من الواجب فضح تلك الوجوه المحترقة في حال ثبت بالوثائق والمستندات الدامغة تعاطيها الرشوة والعمولة أو الأجرة الصحافية. وإن كان ذلك ليس إلا مسألة وقت فقط!

وربما بات حال الجمهور مع أعمدة ومقالات الأجرة الصحافية وأعمدة «الصحافة اللافقارية» يتشابه كثيرا مع طوفان العرائض والبيانات المبتذلة معنى ومقصدا، والتي لطالما تهافتت على عتبات صحافة الأجرة منذ مرحلة الانفراجة السياسية الأخيرة. وذلك على العكس من زمن العرائض والبيانات السرية المعبرة بحرقة عن الرغبات الشعبية الحارة الناشدة للحرية والمساواة. فكما قلنا من قبلُ إن هذا الزمن تكفلت فيه السلطة لوحدها باحتراف العمل السري التنظيمي، على حين أصبحت تنظيمات المعارضة حكرا على المشهد العلني والشفاف على العكس من مرحلة أمن الدولة الغابرة!

وقد يأتي في مثل هذا السياق «البيان» الأخير الذي تكفلت بنشره بعض الصحف المحلية بمساحة صفحة كاملة. وقد احتوى هذا «البيان» خطابيا على إدانة لأعمال الشغب والعنف و «دعوة» أو قل ادعاء عام وتحريض على استخدام أعنف الوسائل والإجراءات ضد «المتورطين» في هذه الأعمال بتوقيع جمعيات سياسية وصناديق خيرية تعمد أن تكون ذات نَفَس وتركيبة طائفية واحدة (سنية)!

وكاتب المقال لا يظن أنه يوجد هنالك فرد وبشر عاقل وواعٍ وسوي يؤيد العنف واللجوء إليه بمن فيهم تلك القيادات السياسية الشعبية المتهمة بالتحريض والشحن السياسي، كما لا يوجد هنالك مواطن ينكر على الدولة حقها في استخدام كل الأساليب القانونية اللازمة في التصدي لأعمال العنف والشغب ومعاقبة المتورطين فيها والمحرضين عليها. فتلك قضيتها وقضية السلطات المعنية لوحدها، وإنما خلافنا أساسا يكمن في المقاصد التحريضية الخبيثة والمفضوحة من قبل الجهة التي دعمت وساندت إصدار هذا البيان بصورة واحدة، لكأنما يمثل هذا البيان رأيا عاما محاربا معلنا من قبل أهل السنة والجماعة ضد الطائفة الشيعية الكريمة، وليس موقفا مبدئيا من العنف وتهديد الأمن والاستقرار؛ وهو مما يزيد الأزمة وبالا على وبال ويرفع بشكل غير مباشر من مستويات الاحتقانات الطائفية إلى حدود غير معلومة، ويساهم في التكريس المنهجي للتشطير العمودي للمجتمع على أسس طائفية وإثنية. بل إن هذا البيان يزايد حتى على صلاحيات جلالة الملك فيما يتعلق بالعفو وغيره!

وإن كنت أعتقد وأجزم أن هنالك من الموقعين على البيان من ليس لديه علم أساسا بأمر هذا البيان ومن لم يطلع عليه. إلا أن هذه الجهة المتنفذة المكشوفة والمعلومة لدى الجميع لطالما دفعت بقوة مثل هذه «البيانات» ذات الصبغة الطائفية الفاقعة والمعنية بتوصيل «الحق» لأجل «الباطل» من دون أن تكترث بإذن ومشورة أيٍّ من بيادقها!

هذه الجهة هي التي تعادي المشروع الإصلاحي وتعمل على تقسيم الصف الوطني ما استطاعت إليه سبيلا. وهي لأجل ذلك لم تكترث قط للاستئذان من أتباعها وأذرعها وعبيدها ممن تسخرهم أبقارا صحافية وأبقارا سياسية وغيرها من أبقار يضحى بها من دون أن تدري!

فتلك الجهة المتنفذة والمكشوفة «جماعة المحافظين الجدد - فرع البحرين» لم تفرط قط بجميع بيضها الملون فتضعه بذلك في سلة «وطنية» واحدة. وإنما هي تتعمد أيضا التفريق بين بيضها و «فروخها» طائفيا فتضع البيض السني في سلة، والبيض الشيعي في سلة أخرى بحسب الظروف الزمكانية!

فهي لو شاءت لجمعت تواقيع جميع أذرعها وعبيدها من مختلف الطوائف والإثنيات في بيان «وطني» واحد ضد العنف. ولكن ذلك لا يخدم أبدا غاياتها الطائفية الدنيئة لتقسيم الشارع البحريني حتى في إدانته العنف؛ وهو مما يعتبر واجبا وطنيا مقدسا لا يقتصر أمره على طائفة دون أخرى!

إن هذه الزمرة المتنفذة لم تعرف قط للاستحياء واحترام الذات معنى. فلطالما سعت إلى اختطاف «الشارع السني» بزعم تحريكه وتقويته وتمكينه تجاه «المد الشيعي» القادم. فأبت إلا تخويفه باستمرار لأجل القضاء على ما تبقى لديه من ثقة بالحل الوطني. واستمرأت العبث كهربائيا بجثته وجثث قياداته المزعومة حتى لو احترقت تلك الجثث وتشوهت عن بكرة أبيها. فتارة تكون الأضاحي ممثلة في الجمعيات السياسية الموالية، وتارة أخرى في الصناديق الخيرية، وفي أحيان أخرى يكون هنالك النشطاء «زعبور» و «فرفور» و «شرشور»، أو شلة «البوكيمونات» السياسية دونما نهاية واضحة. فإلى أين تنوي هذه الجهة المتنفذة قيادة هذا الوطن والشعب والأضاحي؟ إلى أي أفق ومصير؟ ومتى ستنتهي تلك الإثارة الطائفية المفتعلة والمتعمدة؟ هل ستنتهي الإثارة غير محسوبة العواقب عقب بيع الوطن بالقطعة أم عقب تنجيده مجددا؟

نرجو من هذه الجهة المتنفذة - التي تعمل ضد أهداف المشروع الإصلاحي والتي فاتها وسيفوتها الكثير - أن تكف عن التلاعب بعيدان الكبريت الطائفي. فهي تدرك جيدا أن غالبية الشعب والنخب الوطنية الواعية والمحافظة على نقائها المبدئي والأخلاقي تدرك حتماَ أن هذا البيان - الذي أريد به باطل - هو بيان مدفوع الأجرة وإن لم يثبت ذلك. كما أن لا حاجة هنا إلى الإشارة إلى أن زج الصناديق الخيرية في أتون هذا المستنقع إنما هو تسييس متعمد لها ولدورها مثلما يجرى وجرى سابقا فتلك مسلّمة بدهية!

ألم يكن من الأفضل لهذه الصناديق الخيرية المزجوجة زجا سياسيا في هذا البيان لو أنها استقلت بإرادتها وواكبت دورها واختصاصها العام والمعلن، فأصدرت بيانا وطنيا تناشد فيه القيادة السياسية التدخل العاجل لحل أزمة الغلاء المعيشي التي يعاني منها جميع المواطنين، بدلا من بيانات مسيسة قد تكون مكلفة كثيرا إن لم تكن مدفوعة الأجرة، بل هي مدفوعة دفعا انتحاريا لإشعال الفتنة الطائفية في البلاد؟ فإلى أين تريد أن تأخذنا تلك الصناديق الخيرية التي كادت بهذا البيان تصبح صناديقَ لجحيم التهلكة الطائفية؟

يعلم الإخوة من «جماعة المحافظين الجدد - فرع البحرين» أن قطاعا كبيرا من الشعب البحريني يعرفهم ويعرف أجندتهم جيدا، ويعلم أن هنالك أفرادا ومؤسساتٍ قد سخرتموهم أبقارا صحافية وأبقارا سياسية وأبقارا خيرية ترعى في مراعي الطائفية العمياء، فلسان حال هذا الشعب حيالكم وحيال من سخرتموهم لربما تعكسه الآية الكريمة «إن البقرَ تشابه علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون» (البقرة: 70)!

كما أن الشعب يعلم جيدا أنكم لطالما نويتم تقديم من سخرتموهم أبقارا متشابهات أضاحي للفتنة في أعياد وحفلات و «فزعات» الإثارة الطائفية المدارة سياسيا وانتهازيا ضد مصالح الوطن والمواطنين، ولكنه يطلب منكم مراعاة الالتزام بشروط الأضحية الشرعية التي جاءت في حديث البراء بن عازب (رض) إذ قال: «قام فينا رسول الله (ص) فقال: (أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية : لا تجزئ - العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ضلعها، والكسير التي لا تنقي» (موقع الشيخ بن عثيمين).

وربما ينطبق القول المأثور «شر البلية ما يضحك» على أخونا كاتب المنصات الملمع جيدا الذي أشاد ببيان الفتنة و «مؤسسات المجتمع المدني» التي وقعته؛ مما يعكس سطحية فجة وجهلا فاضحا بأبعاد ومعاني مفاهيم عصرية مثل «مؤسسات المجتمع المدني» ودلّ على أمية سياسية وترديد ببغائي فارغ وأرعن من كاتب المنصات وحده، فإن كان «الكبر الشين» فكيف إذا ما اقترن بالجهل والجهالة؟

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1952 - الأربعاء 09 يناير 2008م الموافق 30 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً