مؤسفٌ جدّا ما انتهى إليه البرلمان أمس، من تكتل جماعي ضد أحد المطالب الملحة لعملية التغيير والإصلاح تحت قبة البرلمان.
مؤسفٌ جدّا أن تتفق غالبية الكتل على رفض الطلب لتشكيل لجنة تحقيق في التمييز الوظيفي، والتي يعلم الجميع أنها أحد «بلاوي» البلاد والمسبّبات الرئيسية للاحتقان الدائم.
مؤسفٌ جدّا أن تصطف كتل الأصالة والمنبر والمستقبل في جلسة أمس لتغلق الأمل بإمكانية حدوث أي تغيير من الداخل، ثم تصطف مرة أخرى وترفع عقيرتها متباكية على السلم والأمن الأهلي، إذا احتقن الشارع وأخذ بالصراخ.
عموما... الموقف لم يكن جديدا ولا غريبا على تركيبة «الأمر الواقع» في البرلمان، فقد سبق أن هدّد رئيس كتلة الأصالة إبراهيم بوصندل بأنّ «مناقشة التمييز الوظيفي ستفتح أبواب الجحيم»، مع إقراره بوجود «أنواع عدة من التمييز في البحرين، طائفي وقبلي ومناطقي وعرقي»! وهو الرجل الذي يكتب عن السلف ويطالب بتطبيق الشريعة التي لا تعترف بوجود فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى، فكيف يصدّقه الناس وهذه مواقفه المخالفة لسيرة السلف الصالح وسيرتهم المعطّرة بالمساواة بين عباد الله وعياله؟
لم يكن هذا الموقف جديدا ولا غريبا، فقد رفعت كتلتا المنبر والأصالة شعار «لا لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في التمييز الوظيفي»، وانضمت إليهما أمس كتلة المستقبل التي كان يعوّل عليها أن تقف إلى جانب خيار التصحيح، إلاّ أن الطبع غلب التطبّع، فانحازت إلى جانب الأعراف والتقاليد الجاهلية في نصرة الأخ ظالما أو مظلوما، ولو على رفات ابن العم والجار القريب.
عارٌ ما جرى أمس من اصطفاف جماعي أعمى ضد مسعى يهدف إلى فتح التوظيف أمام جميع أبناء البحرين بناء على معايير الكفاءة بعيدا عن المحسوبية والواسطة، وهو أمرٌ سيذهل العالم أجمع، عندما يكتشف ان هناك برلمانا بدل أن يعمل على تحقيق العدالة ومحاربة التمييز، يتكتل بكل قوة من أجل استمرار سياسات التمييز التي لم تعد خافية على أحد.
قبل أربعة أسابيع، أجّلت «الوفاق» طلبها بتشكيل اللجنة بسبب بعض تحفظات كتلتي «المنبر» و «الأصالة»، وهو ما رحّب به رئيس الكتلة الأولى علي أحمد، الذي رفض المقترح تحت حجة بالية، بأن ذلك قد يسبب مشكلات داخل المجلس، فإذا لم يكن البرلمان (بيت الشعب) ساحة لحل المشكلات، فإلى أين تلجأ الفئات العريضة المتظلمة من سياسة التمييز العنصري الجارية على الأرض؟
«الوفاق» تفهّمت موقفكم قبل شهر، وعليكم أن تتفهموا موقفها اليوم، فما جرى خلال الأسابيع الأخيرة أعاد وضع البحرين على خارطة الأخبار العالمية، من أوسع الأبواب وأقذرها، وهي بوابة «التمييز العنصري»، الذي انتهى من العالم كله ما عدا بعض البؤر المتخلفة في العالم الثالث، ونحن لا نريد أن تكون بلادنا ضمن هذه البؤر العنصرية المقيتة، وهو ما تدفعون إليه حتما بفضل مواقفكم غير الحصيفة.
الأكاديمي علي أحمد شكر «الوفاق» قبل شهر لتقبّلها تأجيل الملف لما بعد العيد، ودعا إلى مزيد من دراسة محاور لجنة التحقيق في التمييز الوظيفي، بسبب وجود «شبهة مخالفة للدستور»! وهو دفاعٌ باهتٌ عن سياسةٍ باطلةٍ يرفضها الدين وتمجّها الشريعة، ويستقبحها العقل، وتدينها شرعة حقوق الإنسان، فإلى أين أنتم ذاهبون؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ