كعادته كل عام، تطل علينا عاشوراء بحلتها لتملأ دياجي الكون، وتعيد إلى النفوس ذكريات تلك الملحمة التاريخية التي جمعت بين الحق والباطل في معركة الخلود...
من لا يعرف عاشوراء وقيمتها التاريخية والروحية قد يتساءل: لماذا تتجدد عاشوراء في كل عام؟ وما سر هذه الثورة التي لا تخبو ولا تعرف الزوال؟ ولعل الجواب الذي يمكن أن يدلي به العارفون بعاشوراء مختصرا وبسيطا وهو: عاشوراء باقية لأنها مرتبطة بشخص الإمام الحسين (ع). وقد تزيد هذه الإجابة من حيرة من لا يعرف عاشوراء وتضيف أسئلة أخرى إلى قائمته.
عاشوراء الحسين (ع) مرتبطة بقيم إنسانية وقف لها العالم مذهولا طوال السنوات الماضية، وعلى رغم الفترة الزمنية الشاسعة التي تفصلنا عن معركة الخلود، فإن المتمعن يراها معركة وقعت بالأمس القريب ولا يمكن للعارفين بها أن ينفصلوا عنها طرفة عين لأن قيمها مرتبطة بحياتنا اليومية وبحوادثها المتواترة... نحن لا نبالغ في تمجيد عاشوراء، ولا نبالغ في تمجيد الحوادث التي مرت في «معركة الطف»، ولكن هذه الثورة التي بقيت خالدة تتجدد كل عام هي ثورة عظيمة في رمزها وأهدافها من دون أدنى شك، وهي ثورة جديرة بأن تفرد لها صفحات من الدراسات والبحوث للوقوف على حقيقة مضامينها، وذلك لا يعني أن الباحثين أغفلوها بالضرورة.
وكيف لا يكون هذا اليوم يوما خالدا وقد خلدت كتب التاريخ حوادث لم تتكرر قبل وبعد هذا اليوم؟! ففي يوم العاشر من محرم الحرام أمطرت السماء دما عبيطا كما يذكر المؤرخون، فروى الطبراني في «المعجم الكبير» (الجزء الثالث صفحة 111، الطباعة دار إحياء التراث العربي - بيروت، نشر مكتبة ابن تيمية) قال: «حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي حدثنا عبدالله بن يحيى بن الربيع بن أبي راشد الكاهلي حدثنا منصور بن أبي نويرة عن أبي بكر بن عياش عن جميل بن زيد قال ثم لما قتل الحسين احمرت السماء»، ورواه الطبراني في مكان آخر بلفظ آخر: «حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي حدثنا يحيى الحماني حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال ثم لم يكن في السماء حمرة حتى قتل الحسين (ع)!».
وتؤكد الوثيقة التاريخية في كتاب «وقائع عصر الأنجلو ساكسون» الذي ترجمه ونقّحه ميشيل اسوانتون، وصدر في بريطانيا العام 1996 للميلاد، وأعيد طبعه ثانية من قبل جامعة «اكستر» في ولاية نيويورك الأميركية العام 1998 للميلاد، وتحديدا في الصفحة 38 من هذا الكتاب ما نصّه: «في عام 685 ـ للميلاد ـ هنا في بريطانيا أمطرت السماء دما وتحوّل الحليب والزبدة إلى دم أو صار لونهما أحمر».
وعند مقارنة هذه السنة الميلادية (685) مع السنين الهجرية نجد أنها تطابق سنة 61 للهجرة، وهي السنة التي استشهد فيها أبو الأحرار الإمام الحسين (ع) وأهل بيته.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ