كما أن لمجتمع المصابين بالعمى خصوصيات، ولفاقدي السمع خصوصيات، لابد أن يكون لمجتمعات الأميين خصوصياتها، وأولى هذه الخصوصيات حين يكون الأميون عربا، هي أن يمعنوا في إذلال أنفسهم، والاستخفاف بها. تقول الحكمة المأثورة: «حتى يستطيع أحدهم أن يستخف بك، لابد أن تساعده على ذلك!». ولا تعليق.
يوم أمس، كنت أحاول قدر استطاعتي الربط بين أمرين اثنين، الأول: هو التحذير الذي أطلقته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) من خطورة ظاهرة الأمية التي لاتزال مرتفعة في العالم العربي إذ يبلغ عدد الأميين نحو 100 مليون نسمة، أي ثلث التعداد العربي. وبنسبة ترتفع عند النساء لتصل إلى حدود 46.5 في المئة، والثاني: هو دعاوى الخصوصية الثقافية التي يدعيها العرب حكومات وشعوب ضد القبول بالديمقراطية والحرية والتعددية وحقوق الإنسان كما هي اليوم في أغلب المجتمعات والثقافات الدولية.
ولأن الثقافة أشمل من القراءة والكتابة لم أستطع الوصول لنتيجة نهائية تؤدي إلى إسقاط العرب ثقافيا واعتبارهم نكرات تاريخية، لكنني من جهة أخرى، أصبحت أكثر قدرة على فهم هذه الخصوصية الثقافية وتحديد إطاراتها. قد تكون هذه الخصوصية «خصوصية الأميين» حتى في التعامل مع ثقافتهم، وعليه، سيكون من الصعب فعلا على أي آخر أن يتفهمها أو أن يستطيع التعامل معها. هذه النتيجة، أكدها الرئيس الباكستاني مشرف في معرض تعليقه على الاتهامات التي وجهت له بتحمل المسئولية كاملة في مقتل رئيسة الوزراء السابقة «بوتو»، إذ قال: «لقد حذرتها أكثر من مرة لأنها مستهدفة، ولا يستطيع أي جهاز استخباراتي أو أمني في العالم أن يمنع إنسانا من أن يفجر نفسه!».
تقرير الـ «ألكسو» الكارثي، تتحمله بالأساس البلدان التي هي حواضن الإرهاب العربي، المُصدِر والمُستقبِل الرئيسي له، ولا داعي لذكر أسماء فنزعج كراسيي بعض السادة السفراء.
وخلاف أن يقرأ كل عربي هذا التقرير ليدرك ويتعرف على مساحات وحدود الأزمة التاريخية التي تمر بها هذه «الأمة العربية الواحدة... ذات الرسالة الخالدة»، يستطيع أن يصدق أو/ و أن يشرب من هواء بروباجندات الإدعاءات بالحضارة العربية والتاريخ العربي المشرق بالعلم والمعرفة، حتى يصاب بتخمة هواء فارغة.
التقرير أيضا، يفضح الدكتاتوريات العربية التي كانت ولاتزال تستتر بأن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» تارة، وبخطط التنمية التعليم والتطوير والتحديث تارة أخرى. بعد سنوات وسنوات من الاستقلال، لا تبدو المؤشرات الموجودة في أي مجال من مجالات التنمية إلا كدلالات متتالية على أن لا أكثر من هذه الأمة تخلفا ورجعية بين الأمم كافة، فعلى ماذا يتفاخر هؤلاء العرب؟، وعن أية خصوصية يتحدثون؟
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ