العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ

قوة فكرة سيئة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

في سوق الأفكار على اتساع العالم، لكل شيء مقياس من القيمة، حتى الفكرة السيئة.

يمكن لفكرة سيئة حتى أن تضيء أكثر أماكن الحقيقة ظلاما بأشّعة متألقة لامعة بأسلوب لا تستطيعه مجرد الحقيقة.

خذ على سبيل المثال فكرة أن الإسلام لا يتناغم مع الديمقراطية. إنها فكرة سيئة فعلا، ولكن يمكنها أن تشكل هدفا جيدا جدا. من حيث البداية، يمكن لهذه الفكرة أن تحفّز أكثر المسلمين اعتدالا ولباقة للتنازل عن لباقته وشن دفاع عن دينه وثقافته بعاطفة جياشة للفوز وقناعة ساحرة.

هذا بالضبط ما حصل هنا عندما وقف أنور إبراهيم، الذي يتمتع بشعبية وجاذبية كبيرتين في مؤتمر «بداية القرن الأسيوي» الذي استمر ثلاثة أيام ونظمته الجمعية العالمية للمستشارين السياسيين في بداية هذا الشهر.

عمل السيد إبراهيم، المسلم المتفاني عالي الثقافة، كنائب لرئيس وزراء ماليزيا في الفترة 1993 - 1998، قبع بعد ذلك لعدة سنوات في السجن كسجين سياسي في ماليزيا.

يمثل هذا المصلح، الذي ينوي خوض الانتخابات السياسية في بلده، وبعد أن صدر العفو عنه نتيجة لتغيير في الإدارة الوطنية، يمثل أحد المتحمسين بشدة حول الحاجة لعلاقات متناغمة بين الشرق والغرب وإمكانية تحقيقها.

مثلها مثل إندونيسيا، تعتبر بلده مسلمة في أغلبيتها وتتمتع بهيكل حكومي علماني بشكل كامل. الأمر المثير والساحر فيما يتعلق بهذا المؤتمر هو عدد المسلمين البارزين الذين أصروا على حكوماتهم العلمانية وأعربوا عن الفخر الشديد لها.

«يمكن أن يكون موضوع عدم تناغم الإسلام هو ما إذا كانت المسيحية والديمقراطية متناغمتين»، كما يقول أنور بصوت يشبه الرعد، وهو الرجل المفكر الذي نادرا ما يرعد. «ولماذا لا نتساءل ما إذا كانت اليهودية والديمقراطية متناغمتين؟ لماذا ننظر دائما إلى الإسلاميين على أنهم كبش الفداء؟»

الأسلوب الذي يرى فيه أنور وكثيرون غيره من المسلمين الأمور، هو أن الناس يفترضون أن الإسلام في نهاية المطاف سوف ينحدر إلى التطرف، وهؤلاء إما جَهلة أو شديدو التعصب. وهم يشيرون إلى تركيا وإندونيسيا على أنهما مثلان بارزان على مجتمعات مسلمة بأغلبية سكانهما وهما في الوقت نفسه تطبقان سياسات علمانية جادة.

وهم يشيرون كذلك إلى الإسلاميين في جنوب شرقي آسيا الذين لم يكن لهم في يوم من الأيام صراع مع العلمانية. «لا يوجد هناك أي حوار جاد في إندونيسيا حول الديمقراطية العلمانية»، كما يصر أنور.

أدهش النجم السياسي الماليزي الحضور بعد ذلك عندما أشار إلى مصدر فاقد للشرعية كمصدر للإلهام لإصرار إندونيسيا المعاصر على حكم غير ديني. «أعطوا الفضل لسوهارتو لجعل المسلمين يتقبّلون الحاجة لدولة علمانية. يؤمن حتى قادة إندونيسيا الشباب بقيمة الدولة العلمانية. حكم الرئيس السابق سوهارتو الذي يعاني من تدهور صحته وهو خارج السلطة بشكل كامل، حكم إندونيسيا خلال فترة ازدهارها، لمدة تزيد على ثلاثين سنة حتى العام 1998، بعد أن كانت مستعمرة هولندية،بعزيمة حديدية وشغف لا حدود له، على ما يبدو، بالثروة. وقد وضعته منظمة الشفافية الدولية المعروفة يوما ما على رأس قائمة دكتاتوري العالم من حيث الفساد.

ولكن سوهارتو يعتبر في أوساط رجال الأعمال أبا التحديث الاقتصادي، حيث أتى بثروة جديدة إلى هذه الدولة الاستوائية ذات الكارثة الاقتصادية، ويقّدر المسلمون المعتدلون الإندونيسيون الذين لا يعدون ولا يحصون سوهارتو لأنه حافظ على المخبولين في الدولة تحت السيطرة، بينما ترك رجال الأعمال الابتكاريين ليفعلوا ما يريدون وليطوروا الدولة.

«لقد أعطى سوهارتو بلده ما يزيد على ثلاثين سنة من اللا حوار حول أهمية العلمانية»، كما يشرح أنور إبراهيم.

ولكن ماذا عن هؤلاء المسلمين، رغم أنهم قلّة في إندونيسيا أو غيرها، الذين يعظون بسموم الاستثناء ويحولون أنفسهم إلى قنابل بشرية أو يقودون الطائرات المدنية عبر مبانٍ مرتفعة بارزة؟ «يحتاج بعض المسلمين لأن ينصتوا بأسلوب أفضل»، كما يقول أنور. «الطريق الحقيقي نحو الإسلام السياسي يمر عبر (مكان مثل) جاكرتا. لا يأتي التهديد للديمقراطية من الإسلام ولكن يتوجب علينا تجنب التفسيرات الضيقة للشريعة».

ويرجو أنور كذلك ألا يرتكب أنصار العلمانية خطأ ضم فلسفة الحكم الديني الحيادي كحزمة مع الحركة المعارضة للدين. «يمكن لدولة علمانية أن تكون صديقة للدين ومقبولة من جانب المسلمين من السكان. من الضروري بناء مجتمع تقي - حتى مع بقاء الدولة حيادية من حيث الدين».

اليوم، تنظر إندونيسيا، وهي الدولة المسلمة الأكثر سكانا، والرابعة في العالم من حيث عدد السكان، تبدو بشكل متزايد على أنها قصة محورية بدأت تظهر قد تشكل نبراسا يضيء طريق هذا البلد. فإذا كان أنور ومجموعته السعيدة من المسلمين المعتدلين على حق فإن العلاقة بين الشرق والغرب قد تكون أقل صدامية منها مسيرة تقدم عبر الحضارة.

لسوء الحظ أنه لا يوجد عدد كافٍ من الغربيين الذين يبدو أنهم يفهمون أن العالم الإسلامي ليس ملكا لبن لادن يأخذه حين يرغب، ما لم يفقد غالبية المعتدلين قبضتهم ويبقى أناس مثل أنور خارج السلطة، أو ما لم يستمر الغرب بعناد بوصم الإسلام في صور نمطية نارية يرسمها الإعلام السياسي ويمولها إلى نبوءات ذاتية التحقيق، وينتهي بنا الأمر بأن نقنعهم بأنه يتوجب عليهم جميعا حمل المسدسات.

*عضو في مركز بيركل للعلاقات الدولية

ومعلق صحافي تظهر كتاباته في صحف عالمية من طوكيو إلى سياتل،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً