العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ

جولة بوش والملفات الأربعة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما الأوراق التي يحملها الرئيس الأميركي جورج في جولته التي تبدأ اليوم في بعض دول منطقة «الشرق الأوسط»؟

هناك أربعة ملفات يقال إن الرئيس يريد شرحها أو توضيحها في اتصالاته ومباحثاته مع زعماء الدول التي أعلن عزمه زيارتها.

الملف الأول فلسطيني ويشمل مجموعة أوراق جرى استعراضها في مؤتمر «أنابوليس» وتطمح في النهاية إلى تأسيس قواعد انطلاق لبناء «دولة فلسطينية» في نهاية العام 2008 إلى جوار «دولة يهودية».

الثاني لبناني ويشمل مجموعة أوراق غير واضحة، ولكنها تؤكد ضرورة دعم الدولة وانتخاب رئيس وإفساح المجال للتجربة اللبنانية للنمو والتطور من دون تدخلات تعطل على البلد حقه في السيادة والاستقلال.

الثالث خليجي ويتضمن مجموعة أوراق تؤكد ضمان أمن المنطقة واستقرارها وتطمين دولها لعدم وجود مخاطر عليها وتأكيد حرص واشنطن على رعاية النمو المترافق مع مواصلة الإصلاح والتنمية.

الرابع عراقي وما يتضمنه الملف من أوراق جوارية تتصل بنمو الدور الإقليمي لإيران واستعداد الولايات المتحدة للتعاون بهدف احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة وتحديدا الخليج.

هذه الملفات الأربعة التي أعلنها مداورة وبشكل غير رسمي لا تحمل الجديد باعتبار أن قضايا المنطقة معروفة وليست بحاجة إلى إعادة اكتشاف. فالملف الفلسطيني قديم والمأساة معروفة والمسئول عن تواصل النكبة لا يحتاج إلى تعريف. والملف اللبناني دخل من جديد منطقة التعطيل وعادت أوراقه إلى التلاعب والتفاوض والمقايضة كما كان عهدها في مطلع سبعينيات القرن الماضي. والملف الخليجي ليس جديدا وعناصر استقراره معروفة وهي لا تحتاج إلى إعادة تذكير باعتبار المنطقة غنية بالنفط وعرضة دائما للتنافس والأطماع.

الملف العراقي هو الوحيد الذي يمكن القول إن نكبته جديدة وهي نكبة من صناعة أميركية وبالتالي إدارة بوش تتحمّل مسئوليتها بالكامل سواء على مستوى الأسباب التي دفعت واشنطن إلى اختلاقها وتفجيرها أو على مستوى النتائج التي تريد الإدارة ترتيبها في السنة الأخيرة من عهدها.

هذا يعني أن الأولوية في زيارة بوش ستكون للملف العراقي وما أنتجه من تداعيات لن تقتصر تأثيراتها السلبية في نطاق بلاد الرافدين وإنما يرجح أن تمتد أفقيا إلى الأقاليم ودول الجوار. وحين تكون الأولوية للملف العراقي واحتواء عناصره السلبية فمعنى ذلك أن الملفات الأخرى ستخضع للتقويم وإعادة القراءة في ضوء المستجدات التي يمكن أن تحصل في ساحة العراق. فهذه الساحة تعتبر الآن في الرؤية الأميركية حلقة مركزية تشد إلى رأسها كل الملفات الأخرى بما فيها الخليج ولبنان وفلسطين.

من جانب فلسطين يرجح أن بوش لا يحمل في جعبته «معجزات» باعتبار واشنطن أكدت مرارا دعمها تل أبيب في السراء والضراء، وهي ليست مستعدة للضغط عليها لتقديم تنازلات تلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني. ومطالب الشعب الفلسطيني ليست سرية فهي معروفة وأعلنت مرارا وتَكرارا ولا تحتاج إلى إعادة اكتشاف. وبما أن إدارة واشنطن ليست في موقع يسمح لها الآن بالضغط على حكومة إيهود أولمرت الائتلافية لتسهيل المسار الفلسطيني ومساعدة سلطة محمود عباس على تحقيق بعض النقاط فيرجح أن تقتصر زيارة الرئيس الأميركي على تجديد إطلاق الأمنيات من دون أن تتوصل إلى توضيح «خريطة طريق» تؤدي إلى إنجاز الوعد الذي أبدى رغبته في مشاهدته في نهاية 2008.

من جانب لبنان تبدو الأمور غامضة وخصوصا أن إمكانات واشنطن على ترجمة وعودها بضمان سيادة بلاد الأرز تحتاج إلى دليل. وبما أن إدارة واشنطن أعطت الضوء الأخضر لتل أبيب لتحطيم البنى التحتية للدولة وتقطيع أوصالها في العام 2006 تضاعفت الشكوك بشأن احتمال قيام لبنان مجددا وعودته إلى ممارسة دوره «النموذجي» في المنطقة. فمن يرد لبلاد الأرز النجاح والاستقرار والتقدم لا يوافق على تقويض دولتها وتعطيل أسسها وعناصر قوتها ونموها.

من جانب الخليج تبدو الأمور مستقرة باعتبار أميركا اكتشفت بعد تجربة العراق المُرّة أن النظريات العامة ليست دائما صحيحة ويمكن تطبيقها في كل زمان ومكان من دون أخذ الخصوصيات ودورها في النمو والتقدم. فالخليج الذي يشهد هذه الأيام طفرة اقتصادية تشبه تلك الدورة التي دخلها في سبعينيات القرن الماضي أقصى ما يحتاج إليه الاستقرار وعدم خوض مغامرات تقوّض أمنه.

العراق أولا

المشكلة إذا في العراق باعتبار نكبته تعتبر من «إنجازات» إدارة بوش. فهذه الإدارة ساهمت عن قصد أو من دون تخطيط مسبق في توليد نكبة فلسطينية جديدة لا تقل كلفة عن تلك النكبة التي اختلقها الانتداب البريطاني في أرض كنعان. فالنكبة الأولى ساهمت في طرد الشعب الفلسطيني من أرضه إلى دول الجوار وتشريده في المخيمات، وجرجرة المنطقة إلى سباق تسلح، وعطلت النمو والتنمية، وبررت قيام انقلابات عسكرية، وأعطت ذريعة سياسية للايديولوجيات الدكتاتورية للتسلط على الأنظمة تحت مسميات مختلفة. النكبة الثانية سارت عمليا في السيناريو نفسه إذ ساهمت في تقويض الدولة، وتمزيق المجتمع وتفكيك علاقاته الأهلية وتشريده إلى دول الجوار أو في الداخل بحثا عن ملاذ آمن أو «دويلة» متجانسة مذهبيا وطائفيا.

نكبة العراق تشبه في أسبابها ونتائجها وتداعياتها ومفاعيلها نكبة فلسطين. فهي جرجرت المنطقة إلى سباق تسلح، وعطلت النمو والتنمية، وبررت قيام حركات عنف وتنظيمات مجهولة العنوان والهوية، وهددت أمن دول الجوار واستقرارها، وأعطت ذريعة سياسية للايديولوجيات الدكتاتورية، وهي ذريعة ترافقت مع دفعات معنوية للانقضاض والمطالبة بمواقع نفوذ أو مشاركتها في لعبة توزيع الحصص أو استقطاع مناطق لتدور في مجالها الجغرافي السياسي.

كلام بوش عن رغبة الولايات المتحدة في مساعدة الدول العربية الخليجية على احتواء «نفوذ إيران» ونمو دورها الإقليمي في العراق والخليج يثير السخرية ويطرح علامات تعجب واستفهام. فالقصد منه ليس البحث عن السبب وإنما توظيف النتيجة بهدف إثارة المخاوف من دولة موجودة في المنطقة وتنتمي إلى تاريخ عريق وأقدم بكثير من زمن كريستوف كولمبوس واكتشافه أميركا.

الكلام هذا بمثابة «ضحك على الذقون»؛ لأن دول المنطقة تعرف تماما خلفيات الصورة الإقليمية والدور الأميركي في زعزعة استقرارها وتقويض توازنها والطموحات التي تريد إدارة واشنطن تحقيقها في السنة الأخيرة من عهد بوش. والرد الخليجي على الكلام الأميركي جاء توقيته قبل بدء الرئيس جولته حين أبدت دول الخليج استعدادا للانفتاح على طهران وتحسين علاقاتها معها ودعوتها إلى المشاركة في الندوات والمؤتمرات بصفتها تشكل «الجار الإقليمي» في حال توافق مع رغباتها ومصالحها وأمنها.

المشكلة في كلام بوش أنه يريد تدفيع دول الخليج نتائج سياسته التي أوصلت العراق إلى نكبة لا تقل خطورة عن فلسطين، ويريد أيضا تخويفها من نفوذ ساهمت في ترتيبه «فنيا» و «تقنيا» في بلاد الرافدين.

كل هذه الاعتبارات الموضوعية والذاتية تشكل في مجموعها إشارات سريعة إلى أن جولة بوش لا تقدم ولا تؤخر ولن تساهم في تطوير خطوة إلى الأمام. ففي فلسطين طرقات الحل العادل مقفلة. وفي لبنان تبدو الطرقات مقطوعة مناخيا وسياسيا. وفي الخليج أعطت دول المنطقة أجوبتها منذ فترة حين توافقت على رفض الانجرار إلى مغامرات عسكرية جديدة. أما العراق فهو الضحية وهذا الأمر يحمل معه نتائجَ تفيض عن حاجة بلاد الرافدين. والفائض العراقي (العنف وتداعياته) يشكل بالنسبة إلى بوش الهاجس الأول الذي يقلق إدارة متهالكة تستعد لمغادرة واشنطن بعد سنة. أوراق بوش باتت معروفة ويحتمل أن تكون كلها «محروقة» على المستويين الميداني والسياسي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً