العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ

أسباب التضخم في الخليج

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

تعد ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار واستمرار ارتفاعها) حقيقة مرة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي من دون استثناء. تعود غالبية أسباب التضخم إلى أمور دولية مثل ارتباط عملات دول مجلس التعاون بالدولار وارتفاع كلف التشغيل في بعض الدول المصدرة وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط المستورد، فضلا عن نمو الطلب العالمي، إضافة إلى تداعيات فشل مفاوضات جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية. كما أن هناك أسبابا محلية مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز المصروفات الحكومية في دول مجلس التعاون.

استيراد التضخم

بادئ ذي بدء هناك مسألة التضخم المستورد بسبب ارتباط عملات دول مجلس التعاون بالدولار الأميركي (تتميز الكويت باحتفاظها بهامش من الحرية، الأمر الذي يسمح بتسجيل ارتفاع أو تراجع الدينار مقابل الدولار). المعروف أن الدولار بدأ بالتراجع في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام 2001. ويرتبط تراجع قيمة الدولار بتوجهات من بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي (المصرف المركزي) لغرض جعل السلع والمنتجات الأميركية أكثر رواجا في الخارج الأمر الذي يساعد في تنشيط الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة ومن ثم تعزيز الفرص الوظيفية في أميركا.

يشكل تدني قيمة الدولار مقابل بعض العملات الرئيسية الأخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني والين خسارة عند استيراد السلع والمنتجات والخدمات من دول منطقة اليورو وبريطانيا واليابان. لا شك أن هذا الأمر لا ينطبق على السلع المسعّرة بالدولار أو من دول ترتبط عملاتها بالدولار مثل الصين (بدأت الصين حديثا السماح بحدوث تغيير محدود في قيمة عملتها إثر الضغوط الدولية التي قادتها الولايات المتحدة). ويُعتقد بأن أكثر من ثلث الواردات القادمة إلى دول مجلس التعاون تأتي من دول لا ترتبط عملتها بالدولار مثل السيارات والأجهزة الواردة من ألمانيا واليابان.

نقمة ارتفاع أسعار النفط

إضافة إلى مسألة الدولار, هناك مشكلة أخرى مرتبطة بتداعيات ارتفاع قيمة النفط الخام في الأسواق الدولية. والإشارة هنا إلى ارتفاع كلفة المصروفات التشغيلية وبالتالي قيم السلع المنتجة والمصدرة من بعض هذه الدول. بمعنى آخر, يمكن القول بأن ارتفاع أسعار النفط يشكل في جانبه نقمة وليس نعمة في كل الأوقات. وعليه يعد ارتفاع أسعار النفط سلاحا بحدّين, إذ يجب تحمّل تداعيات ارتفاع كلفة التشغيل في الدول المصدرة للسلع والمنتجات والخدمات.

نمو الاقتصاد العالمي

كما أن هناك مسألة نمو الاقتصاد العالمي وخصوصا في دول مثل الصين. فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي للصين نسبة نمو قدرها 10 في المئة في العام 2006. ما يهمنا هنا هو أن زيادة الطلب الصيني على بعض المنتجات الأولية, والتي يتم استخدامها لاحقا في إنتاج سلع كاملة, إنما يؤدي إلى حدوث ارتفاع نسبي للأسعار. تفضل بعض الدول المصدرة للمنتجات الأولية التعامل مع الاقتصاد الصيني باعتباره أحد أكثر اقتصادات العالم نموا بدل الاعتماد على اقتصادات صغيرة مبعثرة هنا وهناك.

النمو الاقتصادي

من جهة أخرى, هناك أسباب محلية وراء ظاهرة التضخم في دول مجلس التعاون وفي مقدمتها النمو الاقتصادي. فقد تم تسجيل نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي في بعض دول المنطقة وخصوصا الإمارات وقطر إذ فاق 15 في المئة في العامين 2005 و 2006 (النمو الاسمي شاملا التضخم). بل بات تسجيل نسبة حقيقة بنحو 7 إلى 8 في المئة مسألة عادية في دول المنطقة في الآونة الأخيرة. لاشك أن نسبة النمو هذه تعتبر عالية إذ إنها تشكل ضغطا على الطلب (ومن ثم الواردات) مع الأخذ في عين الاعتبار بأن أسواق دول مجلس التعاون تتميز باستيراد غالبية احتياجاتها من الخارج لكونها اقتصادات استهلاكية. فقد شكلت الواردات نحو 82 في المئة من قيمة حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في العام 2006 في البحرين. وتعد هذه النسبة عالية جدا بكل المقاييس الأمر الذي يجعل الاقتصاد البحريني تحت رحمة التطورات في الأسواق العالمية.

التدخل الحكومي في الاقتصاد

يلعب القطاع العام دورا محوريا في اقتصادات دول مجلس التعاون ما يعني بأن تصرفات الحكومات تترك أثرها على الأوضاع الاقتصادية. حسب تقرير الحرية الاقتصادية للعام 2007, تعاني اقتصادات دول المنطقة من مشكلة التواجد النسبي الضخم للقطاع العام في الاقتصاد المحلي. على سبيل المثال, جاء ترتيب البحرين في المرتبة رقم (39) على مستوى العالم متأخرة (14) مرتبة على خلفية بعض السياسات مثل التمثيل المبالغ فيه للقطاع العام في الاقتصاد المحلي. فقد لاحظ التقرير بأن حجم المصروفات الحكومية بما في ذلك الاستهلاك والتحويلات يشكل نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين. يذكر أن البحرين نالت أفضل النتائج في تقرير الحرية الاقتصادية بين الدول العربية كافة.

من شأن التدخل الحكومي في الاقتصاد تقليص هامش الحرية الممنوحة للأفراد ومؤسسات القطاع الخاص. ومرد ذلك إمكانية حصول الجهات الرسمية على شروط خاصة ربما لا تكون متوافرة للناس العاديين أو على حساب القطاع الخاص، فارتفاع قيمة المصروفات الحكومية يعني فيما يعني زيادة محتملة في أسعار السلع والخدمات. على سبيل المثال, من شأن التدخل الحكومي الحصول على تسهيلات مصرفية الأمر الذي قد يدفع بمعدلات الفائدة إلى الأعلى ولو بشكل نسبي. كما هو معروف في الفكر الاقتصادي, يشكل حصول القطاع العام على تسهيلات مصرفية مزاحمة للقطاع الخاص والأفراد.

أسباب أخرى

كما لعبت بعض الأسباب الأخرى في إذكاء لهيب التضخم مثل ارتفاع كلف التأمين والشحن إلى المنطقة بسبب مشكلة عدم الاستقرار بدليل استمرار العنف في العراق فضلا عن الغموض الذي يلف أزمة الملف النووي الإيراني. أيضا هناك مسألة انخفاض درجات الحرارة بشكل نوعي في العالم في شتاء هذا العام الأمر الذي أثر سلبا على حركة النقل في أعالي البحار وبالتالي احتساب عامل الكلفة. هناك شبه اتفاق بين علماء وأساتذة الاقتصاد على أن التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد. والسبب في ذلك هو أن التضخم يضر الجميع إذ ترتفع الأسعار بالنسبة للفقير والتاجر (أكثر ضررا على الفقير من الناحية النسبية).

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً