فادي شاب يبلغ الثالثة والعشرين من عمره يدرس الطب ويعيش في فقاعة. يتنقل مشيا في داخلها، ويخرج مع فتاة تعيش في فقاعة مماثلة ويمارس نشاطاته الاجتماعية مع أصدقاء من مجتمع فقاعته. ويشكل فادي وغيره من الفقاعيين من زملائه عددا كبيرا من اللبنانيين.
ولكن إذا قُدّر لهذه الفقاعات الدينية والعرقية والثقافية أن تنفجر فهل سيتمكن فادي وأصدقاؤه من تنفس هواء مختلف؟ والإنصات لأصوات مختلفة وتكلم لغة منفصلة؟
تعترف الحكومة اللبنانية اليوم رسميا بثماني عشرة طائفة دينية مختلفة موزعة على مساحة 10452 كيلومترا مربعا. وهذا يجعل من لبنان دولة متعددة المعتقدات ولكن في مساحة ضيقة جدا. ديمقراطية لبنان يحكمها نظام طائفي تقسم التخصيصات (الكوتا) فيها المناصب السياسية والرئيسية في الدولة بين الطوائف المتنوعة. على سبيل المثال، يفرض القانون اللبناني أن يكون الرئيس مارونيا مسيحيا، ورئيس مجلس النواب شيعيا مسلما ورئيس الوزراء سنيا مسلما، إضافة إلى ذلك تظهر ملاحظة تاريخية متكررة بوضوح أن المشكلات الطائفية الرئيسية برزت بشكل خاص عندما وصلت التوترات السياسية حدها الأقصى، والعكس صحيح. وهكذا كانت السياسة والطائفية في لبنان دائما متشابكتين وكانت كل منها دائما تنتمي إلى التجمعات السياسية الرئيسة.
لا تكمن مشكلة التنوع اللبناني فقط في حقيقة أنه لا يجري التمتع به والاستفادة منه، وإنما في أنه يُشكل تهديدا. يشعر معظم أفراد الطوائف والمجموعات السياسية، إن لم يكن جميعهم، بالتهديد من قبل الآخرين. لذا يجد هؤلاء الذين ينبعون طوائف دينية أو أحزابا سياسية في لبنان ملاذا في مجتمعاتهم الخاصة، التي تزودهم في معظم الأحيان بالخدمات الاجتماعية والأمن وفرص العمل والمدارس لأبنائهم أحيانا.
نتيجة لذلك ينتهي الكثير منهم بقضاء معظم حياتهم يختبئون بأمن وسلام في فقاعاتهم. تستطيع بسهولة أن تجد أناسا لم يتصلوا أبدا بأناس من طائفة مختلفة أو مجموعة سياسية معينة رغم وجودهم على قرب منها.
مشكلة الفقاعة مهمة جدا عندما يتعلق الأمر بشباب لبنان، حيث أنهم يشكلون أملا جديدا لمشاكل قديمة. في معظم الحالات يقع هؤلاء ضحية لنظام التمييز والفصل القائم، وينتهي الأمر بهم بالانضمام إلى نفس الحزب السياسي، فيتبنون نفس أفكاره ومعتقداته ويذهبون إلى نفس المدارس الدينية ويرفعون نفس الأعلام تماما مثل والديهم.
خلال السنوات الست الماضية، وبعد أن وصلت الأوضاع السياسية ذروتها مرة أخرى بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، شهد لبنان نشاطا في عمل المنظمات غير الحكومية. تعمل هذه المنظمات على جمع الناس معا بهدف ازدهار الدولة ككل. وتنادي العديد من هذه المنظمات بنبذ الطائفية وبالعلمانية بل وحتى بتشكيل حكومة ظل من الشباب. وعلى رغم نجاح بعض هذه المشروعات بشكل عام إلا أنها تواجه الكثير من المشكلات، خاصة في توجهها واستدامة نتائج عملها.
لا نستطيع ببساطة قبول تبني الأساليب الغربية ونتوقع منها أن تعمل بشكل مثالي في المجتمع اللبناني. من الأمثلة الشائعة للتوجهات الغربية لحل هذا النوع من المشاكل الاجتماعية السياسية إطلاق حملات توعية حول الموضوع والمناداة بعقد دورات قصيرة لمرة واحدة ومؤتمرات تجمع الشباب معا. بعكس الولايات المتحدة حيث يبتعد الطلبة عن أجواء والديهم إلى حد ما وعن آرائهم وأساليب حياتهم، يعيش معظم الشباب اللبنانيين مع والديهم أثناء فترة الدراسة الجامعية وبعدها، فيعود الطالب إلى نفس المنزل ونفس الفقاعة في نهاية اليوم، الأمر الذي يخفف أثر هذه التجارب القصيرة.
يحتاج الشباب اللبناني لأن يرى ويتذوق وينصت إلى الأمور التي يشترك فيها بين بعضه بعضا، بغض النظر عن فروقات عامة أخرى. يحتاج الشباب لأن يتركوا روتينهم اليومي وأن يعيشوا معا، دون أي تدخل من طرف والديهم أو جيرانهم أو من يشاركهم الآراء السياسية. يجب إرسال الشباب إلى مخيمات دراسية عبر الديانات حيث يتوجب عليهم العمل معا لمضاعفة مهارات الجميع، كالقيادة والعمل ضمن فريق والحوار البناء، حتى يتسنى تحقيق الأهداف المشتركة. يتعرض الشباب من خلال ذلك لتحديات تمثل المشكلات التي قد يواجهونها في العالم الحقيقي. يمكن لتشبيه ناجح لعام خالٍ من الفقاعات أن يساعد على إثبات أن الصورة الحقيقية لهذا العالم ممكنة حقا.
يخوض لبنان اليوم تجربة أسوأ توتر سياسي في تاريخ الدولة الحديث، حيث نُتْرَكْ جميعا، وللمرة الأولى، دون رئيس منتخب، بسبب انعدام الحوار على مستوى قادة الدولة وما يسمى بالدبلوماسيين. يتوجب على شباب الدولة، بإلحاح أكثر من أي وقت سابق، أن يختاروا مستقبلا مختلفا وأن يبدأوا برؤية دورهم كعوامل تغيير نشطة.
* طالبة في السنة الثالثة تدرس فنون الاتصال والصحافة بالجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، والمقال ينشر ضمن برنامج «وجهات نظر الشباب» بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ