قبل عشرة أيام، نظمت جمعية الصداقة للمكفوفين الملتقى الخامس، تحت شعار «المرأة المعاقة بين التمكين الاقتصادي والتقني»، بالتعاون مع جمعية الصم ومركز الحراك البحريني. وكان لافتا تخصيص فقرات لسرد التجارب الشخصية لثلاث نساء تعانين من إعاقات حركية وسمعية وبصرية.
وقبل يومين، تم تنظيم ندوة عن «حق المعاق مهنيا واجتماعيا»، حضرها بعض الشوريين والنواب، وأيضا تم تخصيص وقت لسرد التجارب الشخصية لهذه الفئة الغالية من المواطنين، وكلها تثبت أهمية توصيل الرسالة إلى الدولة والمجتمع، لأنها قضية عامة ترتبط بالوعي العام. والمتابع سيلحظ فرقا كبيرا في هذا المجال في السنوات الأخيرة.
عضو جمعية الصداقة للمكفوفين والأستاذ المحاضر بجامعة البحرين غازي عاشير، (كفيف) تحدث عن كفاحه للحصول على درجة الماجستير في العام 1995، ثم معاناته بعد التخرج، ولأنه كان مدركا صعوبة قبول توظيفه بالجامعة، اختار العمل بنظام جزئي، وراتب رمزي لم يتجاوز 150 دينارا، مع شعور دائم بالخوف من الفصل عن العمل. وبعد سنة ونصف السنة طلب تعيينه في قسم اللغة العربية، لكن أوراقه ظلت حبيسة أدراج مكتب العميد السابق لمدة 6 أشهر، وعندما يراجعه يسمع عبارات محبطة، وعندما يحاول إقناعه مستشهدا بتجربة طه حسين، يأتيه الجواب المحبط: «لا تقارن نفسك بطه حسين».
عاشير تحدث عن المشكلات التي واجهته في التدريس، من بينها طريقة التحضير وتحويل المادة إلى طريقة (برايل)، وإعداد المحاضرة، وتصحيح أوراق الطلاب ورصد درجاتهم، وكيفية المراقبة أثناء الامتحانات. واستطاع بإصراره أن يتغلب عليها ويثبت كفاءته.
المتحدثة الأخرى كانت سيما علي النواخذة، الباحثة الاجتماعية بمركز شيخان الفارسي، وتعاني من إعاقة سمعية، تكلمت عن حلمها بالتخصص في مجال الطب، بعد تخرجها من الثانوية، لكن ضعف النسبة المئوية وقف حاجزا في طريقها. ومع ذلك لم تيأس، وإنما حاولت الالتحاق بكلية العلوم الصحية، فرفض أحد المسئولين بقوله: «كيف ستتلقى العلم والمعرفة وهي صماء؟»، وهكذا بدل أن يساعدها ويشجّعها، وضع صخرة كبيرة أمامها!
سيما لم تيأس أو تستسلم، وإنما حاولت الالتحاق بجامعة البحرين، ورُفض طلبها أيضا، ولكن صحيفة أجنبية تبنَّت مشكلتها وتوسط رئيس تحريرها لدى رئيس الجامعة، لتلتحق بالدراسة وتحصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية.
تقول سيما بلغة الإشارة: «وزير العمل طلب مقابلتي لأني أول صماء تحصل على شهادة جامعية، وسألني عن احتياجاتي فقلت: (العمل)، فاعتذر لعدم وجود فرصة عمل بوزارته، لكنه منحني فرصة للعمل المؤقت لمدة ثلاث سنوات. وبعد التغيير الوزاري تم تثبيتي باحثة اجتماعية وأنا اليوم أساعد الطلبة في حل مشكلاتهم». واختتمت حديثها بالإعلان عن أمنيتها: «أن تحصل فئة الصم على التعليم النظامي ومساعدة الجامعة لهم بقبولهم في تخصصات متعددة».
قصص المكافحين كثيرةٌ في هذا البلد، فهناك منيرة بن هندي وعيسى الوطني وحسين الحليبي، والأخوان عصام وحسين الأمير، وهناك زينب بوحمود وسعاد خليفة ونرجس رحمة ومديحة إبراهيم وفاطمة علي... كلها نماذج حية من العالم الآخر الصامت، وهم حجةٌ على الفئات الشبابية التي لا تهتم كثيرا بالتحصيل. هؤلاء لا يطالبون بنظرة عطف وشفقة، وإنما يطالبون بحقوقهم كمواطنين، من تأهيل علمي وتدريب مهني... إلى حق العمل وكسب الرزق الحلال.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1949 - الأحد 06 يناير 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1428هـ