العدد 1949 - الأحد 06 يناير 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1428هـ

الحرية لفايز سارة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

الذي تبقى في ذاكرتي الضعيفة عن الزميل فايز سارة في لقائي الوحيد والقصير به، هي وطنيته الغاضبة، فالزميل الذي عارض تسميتي لحرب العراق بـ «التحرير»، أكد أن أي امتداد لموجة الحرية بالقوة نحو دمشق هو امتداد مرفوض البتة. كنت في تلك الدقائق أتعمد تعكير مزاجه بالانتصار لديمقراطية المستعمر العادل على حساب دكتاتورية الوطني الظالم، وهو ما جعلني مصدوما فعلا حين وصلني نبأ اعتقاله على يد الحكومة السورية. فهل يُعتقل وطنيٌ ينافح عن أرضه ودولته إلا في بلد أعين رقبائه مصابة بعمى ألوان أو عرج؟!

الذي أزعج الحكومة السورية في فايز سارة، مطالباته المتكررة بفضاء بسيط للحرية، فضاء للكلام من دون رقيب الحزب الواحد المغلف بالأيديولوجيا المفرطة في العمى والعوج. وهكذا، يدخل سارة قضبان السجن بتهمة طلب فضاء بسيط للحرية، وهكذا، تصنع لنا دولنا العربية الواحدة تلو الأخرى اليوم بعد اليوم، أروع نماذج التنكيل بأبنائها المخلصين لها.

لا يمثل اعتقال سارة ورفاقه إلا صورة من صور تخبط الدولة الكُليَّانية في هذه الحكومات العربية المهووسة بالسلطة والتسلط والإبقاء على قبضة الحديد والنار ضمانة للبقاء والتمدد، أما الأهم من ذلك، فهو أن اعتقال سارة دلالة جديدة على أن مجموعة الدعايات السياسية بالقادة الشباب المصلحين في الوطن العربي، لا تزيد في حقيقتها عن دعايات فارغة، سرعان ما تنكشف وتتكسر وتنفضح أمام أي اختبار بسيط. ومن هنا، يتضح لنا أن هذه النظم الجديدة ليست سوى امتدادات لما مضى، والتاريخ يعيد نفسه.

إن اعتقال سارة ورفاقه، لا يكشف عن همجية آلة الحديد بعقولها الحديد فحسب، بل يكشف عن أوضاع حقوق الإنسان المتردية، والتي يغض المجتمع الدولي النظر عنها ولايزال. وعلى رغم عديد الإشارات والمبادرات والفرص التي كانت متاحة لتصحيح المسارات السياسية في الداخل فإن النظام لايزال على أسسه التي بني عليها متصلبا وجامدا. هو نظام الصوت الواحد/ الفهم الواحد/ الإنسان الواحد، ووفق هذه المعادلة، لا تمثل أصوات سارة ورفاقه المطالبة بالحرية والكرامة سوى أصوات النشاز التي لابد أن يكون مصيرها البقاء خلف القضبان تنتظر الموت.

الحرية لفايز سارة، هي الحرية لكل قلم شريف، لكل قلم يطالب بالحقوق والحرية والكرامة والإنسانية الحقيقية في بلداننا العربية، هي الحرية لكل الشرفاء والصادقين فيما تخط أقلامهم التي لا تُشترى. هي الحرية للإنسان في كل مكان وزمان. الحرية لفايز سارة هي الحرية للنظام ذاته الذي أودعه السجن، لو كانوا يعلمون.

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1949 - الأحد 06 يناير 2008م الموافق 27 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً