أدت حرب القوقاز هذا الصيف إلى مواجهة بين جورجيا، ذات الغالبية المسيحية الأرثوذكسية وروسيا ذات الغالبية المسيحية الأرثوذكسية، وأبخازيا وأوسيتا الجنوبية التي يحيك مسيحيوها ومسلموها والروحانيون التقليديون فيها نسيجا معقدا من الأديان عبر الصدوع السياسية والعرقية.
شهدت أوسيتا الجنوبية توترات عرقية وسياسية خلال العقدين الماضيين، انفجرت في أغسطس/ آب. قدّم كل من الطرفين تفسيرات متنافسة لنزاعها العسكري، إذ تشرح القوات الجورجية أنها قاتلت لدحر القوات الروسية والحفاظ على سلامة أراضيها. ويخبرنا الأبخاز والأوسيتيون أنهم قاتلوا ضد القوات الجورجية المعتدية وسعيا لتحقيق تقرير المصير. أما الروس فيقولون إنهم قاتلوا لحماية أوسيتا الجنوبية وأبخازيا من الهجمات الجورجية ولإنشاء منطقة فصل حولهما.
كذلك شن صانعو السلام المحليون كفاحا سلميا من أجل حل لا عنفي للخلافات والأمن الشامل لجميع الأطراف.
سيتطلب السلام طويل الأمد في القوقاز، بالإضافة إلى الحوار بين الحكومات على «المسار الأول»، مثل محادثات جنيف التي التأمت لفترة قصيرة في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، المزيد من قنوات التواصل الإبداعية لإعادة بناء العلاقات بين الأطراف المختلفة في النزاع.
يمكن لدبلوماسية «المسار الثاني» غير الرسمية أن تعزز مفاوضات جنيف الأسبوع الماضي التي يبدو أن الدبلوماسيين المشاركين فيها قد حققوا تقدما محدودا تجاه اتفاقية رسمية.
وتوفر العلاقات المستمرة بين صانعي السلام من المجتمع المدني عبر مجتمعات القوقاز المحلية المتنوعة دينيا وجغرافيا وعرقيا، في عملية مكملة لدبلوماسية المسار الأول، توفر أساسا يمكن للزعماء السياسيين الأبخاز والجورجيين والروس والأوسيتيين الجنوبيين أن يبدأوا من خلاله بناء سلام مستدام.
وحتى بينما كانت القنابل تتساقط في أغسطس، وكانت الاجتماعات وجها لوجه مستحيلة، استطاع بناة السلام أن يتواصلوا مع بعضهم بعضا عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو من خلال منتدى القوقاز، وهو مجموعة إلكترونية تستضيفها «Yahoo»، لتأسف على الحرب وكلفتها البشرية وتقدم تقييما واسعا متشعبا لأسباب الحرب. وعلى رغم عدم اتفاقهم بشكل كبير إلا أن صانعي السلام هؤلاء يتشاركون في إيمان أساسي راسخ بإنسانية بعضهم بعضا.
وجود جسر على مستوى المجتمع المدني أمر مفيد، إلا أن السلام المستقر يحتاج في نهاية المطاف لأن يتعلم الزعماء السياسيون من هذا المثال. الحوار البنّاء الذي يحترم الطرف الآخر ممكن عبر خلافات النزاع عندما يكون الزعماء السياسيون على استعداد لإدراك إنسانية الطرف الآخر والاعتراف بها.
لقد طور قادة المجتمع المدني هؤلاء ثروة من الأفكار المعمقة بشأن ديناميات النزاع التي يمكنها أن تفيد الزعماء السياسيين في بحثهم عن سبيل إلى الأمام. على سبيل المثال، وعبر العديد من الحوارات غير الرسمية في عملية صنع السلام أثناء فترة النزاع، أدرك رئيس منظمة غير حكومية في جورجيا أهمية بناء جورجيا التي قد يرغب الأوسيتيون والأبخاز العيش فيها، جورجيا ذات سجل نظيف في مجال حقوق الإنسان، وحكم ديمقراطي شمولي واحترام جميع المجموعات العرقية. كما تعلم آخرون أن السيادة ليست دائما مرتبطة بإما كل شيء أو لا شيء... ولكن هناك المزيد.
يمكن لنفس العمليات التي بنت جسر المجتمع المدني هذا أن تساعد السياسيين كذلك على بناء اتفاقيات باقية. تشكل سلسلة من الحوارات الدورية غير الرسمية في أماكن هادئة ينظمها منسقون مدربون أسلوبا مجربا حقيقيا لبناء اتفاقيات سياسية تحقق احتياجات الجميع. وتشرك حوارات كهذه مسئولين ذوي مكانة عالية في المسار الأول في الحوارات الاستكشافية لدبلوماسية المسار الثاني لدبلوماسية «المسار الأول ونصف».
يمكن لكل من الزعماء الأبخاز والجورجيين والروس والأوسيتيين الجنوبيين أن يرسل كل منهم مستشارين معتمدين إلى سلسلة من هذه الحوارات بتعليمات مفتوحة لكي يبحثوا، من دون التزام، كيف يمكن لكل المجموعات أن تتعاون لتحقيق احتياجات الجميع بنجاح.
وفي مضمون النزاع الجورجي الأوسيتي الذي تطور إلى حرب للمرة الأولى للعام 1991، وتبعه وقف لإطلاق النار العام 1992 شارك جورجيون مؤثرون في سلسلة من أربعة حوارات غير رسمية بين الأعوام 1996 و1998 للإبقاء على وقف إطلاق النار ساري المفعول من خلال توفير مدخلات مفيدة في عملية المفاوضات الرسمية. على سبيل المثال، وبعد ورشة عمل قام خلالها أزواج من الجورجيين والأوسيتيين الجنوبيين بالعمل معا على وضع وصياغة تصريحات يمكنها أن تحد من تدهور النزاع، استخدم الوزير الجورجي لحل النزاع تعابير من ورشة العمل في خطابه في جنيف.
كما جرت سلسلة أخرى من الحوار بين خليط من المشاركين الكبار الجدد في ثلاثة اجتماعات عامي 2006 و2007. يمكن لمبادرات كهذه أن تحقق فروقا ولكنها تتطلب دعما ورعاية متواصلين.
قد تساعد التزامات أكثر استدامة بمفاوضات السلام والحوار متعدد المسارات من قبل كل الأطراف والمجتمع الدولي على منع وقوع الحرب التالية.
لقد حان الوقت لأن نحاول مرة أخرى.
* أستاذة مساعدة في تحليل النزاعات وحلها بجامعة جورج ميسون
** يدير المركز العالمي بشأن النزاع والتفاوض في تبليسي
*** تترأس جمعية نساء أوسيتا الجنوبية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان تسخينفالي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2282 - الخميس 04 ديسمبر 2008م الموافق 05 ذي الحجة 1429هـ