العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ

الخارجية العرب... ومحطة اختبار النوايا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يبدأ اليوم مجلس وزراء الخارجية العرب دورته الاستثنائية لمناقشة موضوع الفراغ الرئاسي في لبنان وخطورة استمرار التجاذب الأهلي على وحدة البلد واستقلاله وسيادته. الرئاسة اللبنانية ستكون على رأس جدول أعمال مجلس الوزراء إضافة إلى نقاط أخرى تتصل بالمسألة الفلسطينية وتفرعاتها عشية بدء الرئيس الأميركي جورج بوش جولته المنتظرة في المنطقة.

فلسطين بالنسبة إلى الدول العربية كانت ولاتزال القضية المركزية وهي تشكل نقطة التوازن في علاقاتها الدولية والإقليمية. الولايات المتحدة لا تتبنى هذا المذهب العربي وترى أن الأولوية للأمن ومكافحة الإرهاب، وهي بناء على هذه الفرضية تضع الملف العراقي على رأس اهتمامات الإدارة.

بين العراق (أولوية أميركية) وفلسطين (أولوية عربية) يمكن قراءة المشهد اللبناني الذي دخل المنعطف الخطير ويرجح أن ترتفع سخونته في الأسابيع المقبلة في حال انسدت آفاق الحلول الواقعية التي يبدو أن الأطياف المحلية غير مدركة لسلبيات فشلها إذا اتجهت القوى إلى استخدام لغة القوة.

لبنان في هذا المعنى يشكل عينة ميدانية لاختبار نوايا القوى؛ لأن ساحته المفتوحة والمكشوفة تعطي المجال الحيوي للتحرك الدولي والإقليمي. فإذا سارت الأمور نحو التسوية فمعنى ذلك أن إمكانات التفاهم الإقليمي تحت رعاية دولية أصبحت مقبولة من الأطراف الفاعلة في المنطقة. وإذا سارت الأمور في لبنان نحو التصعيد وربما المواجهة فمعنى ذلك أن إمكانات التجاذب الإقليمي تحت مظلة دولية أصبحت مرجحة بين الأطراف الفاعلة في المنطقة.

الاجتماع العربي اليوم في القاهرة مهم للغاية على رغم أن التوقعات تؤشر إلى صعوبة التوصل إلى تسوية إقليمية بشأن التفاهم على الرئاسة اللبنانية. فالقوى الأساسية في المنطقة تضغط باتجاه انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان لكونه يمثل نقطة التوازن التي تضمن الحد الأدنى من التوافق. مقابل الإجماع العربي هناك ضغوط مضادة تدفع باتجاه مغاير تعتمد سلة من الشروط تريد التوافق عليها قبل التوجه إلى البرلمان لانتخاب الرئيس.

هذا التضاد بين القوتين يحتاج فعلا إلى قنوات لمنع تصادمه. ومثل هذه القنوات لا يمكن فتحها على أبواب حل إذا لم تنجح الدول العربية في اختراع آلية سياسية قادرة على تحويل القناعات إلى خطوات ميدانية تستطيع فرض التنازلات على الأطياف اللبنانية. فهل ينجح مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتراح برنامج عمل ميداني ينقذ بلاد الأرز من احتمالات انفجار أهلي؟

إمكانات النجاح تبدو ضعيفة لأسباب محلية وإقليمية وجوارية ودولية. محليا تبدو القوى اللبنانية في وضع جاهز للانقضاض وهي مستعدة للهجوم أكثر من الدفاع وللدفاع أكثر من التراجع. إقليميا تبدو القوى الجوارية العربية وغير العربية في حال من الاستنفار في فترة انتقالية تمر بها الإدارة الأميركية. ودوليا تبدو القوى الكبرى غير متوافقة على الكثير من النقاط الساخنة في العالم و «الشرق الأوسط». وعدم التوافق الدولي يعني أن القوى الإقليمية غير جاهزة للتفاهم في لحظة زمنية يتوقع أن تشهد متغيرات ومتحولات.

المسألة اللبنانية إذا مرشحة للتصعيد وكل الحلول المطروحة تبدو مستبعدة، بعد أن أقسمت رموز القوى المحلية أمام «شوارعها» بأنها ليست في وارد التراجع أو التنازل أو التسوية إلا إذا حققت ما تريده من برنامجها الخاص. وهذا النوع من التصفيح السياسي المضاد للدروع يعطل إمكانات الاختراق العربي الذي تعول عليه قوى «14 آذار». فهذه القوى تراهن على موقف عربي موحد يضغط على دمشق ويتمنى عليها التدخل الايجابي وإقناع أنصارها بضرورة التوجه إلى البرلمان لانتخاب قائد الجيش. ودمشق كما أعلنت مرارا أنها ليست في وارد الاتجاه نحو الضغط على قوى «8 آذار» ولكنها مستعدة للمساعدة على تسهيل الأمور.

لحظة انتظارية

هناك مشكلة. والمشكلة اللبنانية ليست محلية في جوهرها وإنما مرتبطة أو متصلة بامتدادات أفقية إقليمية تضغط عكسيا باتجاه منع حل أزمة الرئاسة حتى لا تنكشف المواقع في لحظة انتقالية دوليا.

اللحظة الانتقالية تعني الانتظار. فالقوى اللبنانية تنتظر المدى الذي ستذهب إليه المفاوضات الأميركية - الإيرانية بشأن العراق، وتراقب أيضا مدى جدية الاتصالات الأميركية - السورية بشأن فلسطين ولبنان. لذلك ترى القوى أن الخيار المفضل لديها هو تأجيل الحل حتى ينقشع الضباب الذي يسيطر على رؤية المنطقة. ورهان هذه القوى يتركز على خريطة الطريق التي ستظهر بعد انتهاء بوش من جولته.

جولة بوش يرجح أن تنتهي من حيث بدأت. وكل التوقعات تشير إلى أنها ستكون مجرد لقاءات لتطمين المنطقة من تلك التداعيات الأمنية والسياسية التي يمكن أن تثيرها خطوات التراجع الأميركي في العراق. فإدارة واشنطن التي بدأت سلسلة لقاءات مع طهران أخذت تعيد النظر في مواقعها العسكرية في بلاد الرافدين وتتجه الآن إلى إعادة انتشار (تموضع) قواتها في قواعد ثابتة تشرف منها على ضبط أمن «فيديراليات» المناطق والطوائف والمذاهب التي أسستها واقعيا منذ العام 2003.

الملف العراقي يشكل أولوية للإدارة الأميركية في السنة الأخيرة من عهد بوش. وحتى تستطيع واشنطن ضبط التداعيات قررت التوجه منذ فترة إلى مخاطبة طهران لترتيب عمليات هندسة مستقبل العراق في الأشهر المقبلة. فالتعايش الميداني مع إيران، مضافا إلى لقاءات عبدالعزيز الحكيم المتكررة مع بوش في واشنطن لضبط الساحة العراقية، سيكون له مفاعليه الجيوسياسية على التحالفات الإقليمية وبرنامج الأولويات الذي ستعتمده إدارة متهالكة تريد توديع «البيت الأبيض» بأقل الخسائر الممكنة. وهذا الأمر الميداني في العراق سيترك تأثيراته السياسية على الساحتين اللبنانية والفلسطينية باعتبار أن الملفين هما الأكثر عرضة للتلاعب أو التفاهم. ولهذه الأسباب الميدانية يمكن ملاحظة تلك التأجيلات المستمرة للانتخابات الرئاسية في لبنان، والكلام الأميركي عن احتمال تنشيط المسار السوري - الإسرائيلي في حال تعطل الملف الفلسطيني... وهو ملف مشرح دائما للتعطيل.

البدائل الأميركية موجودة وهي باتت جاهزة للبدء في تفعيلها ميدانيا وتحت ستار كثيف من قصف القنابل الدخانية الإعلامية. فما ينشر في الصحف من تصريحات نارية للرئيس الأميركي وتهديدات تشبه كثيرا تلك الوعود للشعبين اللبناني والفلسطيني. فالتصريحات النارية كاذبة والوعود مخادعة وأحيانا يمكن أن نقرأ عكس ما هو معلن للتعرف إلى ما هو غير مرئي.

هذه الصورة الضبابية شارفت كما يبدو على الانقشاع وهي تحتاج إلى فترة زمنية لتوضيح معالمها وترسيم حدودها السياسية (مناطق نفوذ إقليمية) تحت سقف المصالح الأميركية العليا. والكلام العام الذي يصدر يوميا لا وظيفة ميدانية له سوى تخويف القوى الإقليمية في المنطقة وتوتير الأطياف المحلية في لبنان لتسهيل ترتيب تسوية تعالج أمورها المعقدة والمتداخلة وراء الكواليس.

مجلس وزراء الخارجية العرب الذي يعقد اليوم دورته العاجلة والاستثنائية في القاهرة يعتبر محطة مهمة لفحص النوايا واختبار مدى فاعلية القوى ميدانيا. وفي ضوء النتائج المترتبة على اجتماع وزراء الخارجية العرب يمكن توقع ما ستسفر عنه جولة بوش في فترة تستعد فيها إدارته لتوديع واشنطن.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً