العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ

عندما تكون «الزوايا» و«العروشية» عصب الحياة السياسية

غير صحيح أن الأحزاب أخذت مكان «الأعراش» و»الزوايا» أو همشت دورها في الحياة السياسية في الجزائر والمغرب وما يحيط بهما من أبناء العروبة الأفارقة، كما هو الحال في موريتانيا والصومال.

قصة الشباب الذين أرادوا أن يترشحوا في الانتخابات البلدية في الجزائر عام 2002، كما أوردها الكاتب مصطفى دلع في صحيفة «الشروق اليومي»، تبرز حجم «العروشية» وتوضح الدور الذي لا تزال تلعبه العصبية القبلية. وكلمة «العروشية» هي اللفظ المستخدم هناك للدلالة على القبيلة السائدة في الخليج العربي.

تقول الرواية ان هؤلاء الشباب اختاروا واحدا من كل «عرش»، باستثناء عرش واحد لم يجدوا من بين أفراده الشخص المناسب الذي يقبل بالانضمام الى قائمتهم، فقرروا خوض الانتخابات وفازوا بمعظم الأصوات، باستثناء القرية التي لم يرشحوا منها أي شخص فقد منوا بهزيمة نكراء وكانت النتيجة النهائية أن خسروا المرتبة الأولى بفارق بسيط.

و»الزوايا»، وهوالمصطلح الشائع في دول المغرب العربي، تعبير عن قوة الدين والطرق الصوفية المنتشرة هناك، وبحسب تقديرات البعض فان عدد أتباع الطريقة التيجانية، على سبيل المثال، في العالم يصل الى نحو 400 مليون تيجاني، منهم 400 ألف في المغرب وأكثر منهم في الجزائر، مما يظهر التأثير السياسي الذي تتمتع به «الزاوية» في صناعة الخرائط الانتخابية. وهذه الأرقام تبين أن حجم أتباع أي «زاوية» يفوق أعداد أكبر حزب سياسي، سواء في المغرب أو الجزائر، عمره يتجاوز خمسين سنة أو أكثر أي منذ مرحلة الثورات ضد الاستعمار لغاية الآن.

في الجزائر يحتاج الدارس الى التفريق بين مصطلحين دارجين هما «العروش» و»العروشية»، فالعروش تعني منطقة قبائل البربر التي تتخذ من «تيزي أوزو وبيجاية» مركزا لها، وتمثلها «حركة المواطنة»، وعندما تقول العروش ينسحب المعنى مباشرة على البربر، أما «العروشية» ومفردها «عرش» فتقابلها بالتعبير الموجود في النصف الآخر من العالم العربي كلمة القبيلة.

وأقرب مثال لقوة العروشية في الجزائر هو حالة العشائر في المجتمع العراقي التي اكتشفتها قوات الاحتلال الأميركي اخيرا وأعطتها زخما ودعما غير معهودين آملة بتحقيق نجاحات ما على مستوى العملية السياسية التي يطلقون عليها مجازا اسم <الديموقراطية>.

القبلية

وفي كل منطقة أو ولاية من ولايات الجزائر هناك عرش يفرض نفوذه وسيطرته، وهو من يحدد نوع التحالفات في الانتخابات البلدية. فهذه العروشية لديها قوة تمكنها من التأثير على الرأي العام بشكل كبير، وفي كثير من الأحيان تلجأ السلطات الى الاستعانة بأعيان الأعراش لحل مشاكل عويصة استعصت عليهم.

وفي مايو عام 2001 تمكنت حركة العروش بعد مقتل الشاب ماسينا قاروماح من اجلاء أجهزة الدرك، أي البوليس المحلي، من منطقة القبائل بتيزي أوزو، ولم تعد اليها الا بعد ست سنوات. فقد ناضلت هذه الحركة لمدة طويلة وفرضت نفسها على طاولة الحوار مع رئيس الحكومة آنذاك أحمد أويحيى وقدمت له ثمانية عشر مطلبا، كان من بينها اعطاء اللغة الأمازيغية صبغة دستورية واعتبارها لغة رسمية بعد أن قامت الدولة، بادراجها كلغة وطنية، غير أنها نفت عنها صفة اللغة الرسمية.

الأعراش تنتشر في كل أنحاء الولايات الجزائرية، وهي تتمتع بحصانات اجتماعية وأعراف من الصعب تجاوزها أو القفز عنها، بل على العكس تماما تسير الحركة نحوها على خط مواز تماما، وهو كسب ودها وجعلها حليفة لأن من شأن الشراكة معها قلب المعدلات بالكامل أن لم يكن تغييرها، فمنطقة <الجلفا> التي تبعد نحو 300 كلم عن العاصمة، يتمركز فيها عرش «أولاد نايل»، وهي قبيلة عربية ينحدر منها وزير البيئة والسياحة شريف رحماني الذي يدين بنفوذه الى قوة العرش الذي ينتمي اليه.

سنة الحكم

والزوايا من أهم المؤثرات التي تفعل فعلها في الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وهناك من يدعي أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة هو ابن زاوية قبل أي شيء آخر. من هنا تسعى الأحزاب السياسية لاستقطاب العرش والزاوية لأن استقطابهما يعني ضمان الفوز بالانتخابات.

نقلت الزميلة الصحافية سليمة لبال صورة حية عن أثر الزاوية في الانتخابات الرئاسية أثناء تغطيتها الانتخابات عام 2004، فعندما وطئت قدما الرئيس بوتفليقة مدينة رقان جنوب ولاية أدار سأل عن مكان تواجد الشيخ سي حمي، وهو سؤال يكشف مدى الحرص على زيارة الشيخ والحصول على بركته للبقاء في سدة الحكم، وقد اهتم الرئيس بوتفليقة بالمرور على أكبر زوايا الولايات، وعندما سئل الشيخ سي حمي شيخ الزاوية عن الزيارة أجاب «من جاء الى هنا لن يخيب باذن الله، وبوتفليقة سينجح لأننا نسانده». وهكذا يروي سكان مدينة رقان أن بوتفليقة وصل الى الحكم بفضل دعوات الشيخ سيدي محمد بلكيير عندما زاره خلال حملته الانتخابية وتولدت لدى الرئيس قناعة بذلك!

خريطة الأعراش في الجزائر لا تحتاج الى اجتهاد حتى يدرك المرء أن هذا البلد شأنه شأن الكثير من البلدان العربية، الثورية منها والدكتاتورية، والديموقراطية منها والوراثية، أن القبيلة والدين لا يزالان يحكمان ويتحكمان بالعلاقات السياسية والاجتماعية السائدة، وأنهما عنصران فاعلان في تشكيل التجمعات والمنظومات السياسية وبما ينتج عنها من أشكال وصيغ تتعدد أسماؤها ووظائفها، فقبائل البربر تستحوذ على الشرق وتتقاسمه معها الشاوية، وفي الجنوب بنو ميزاب، وأقصى الجنوب الطورة، اضافة الى الطوارق ذات التأثير والنفوذ الواسعين في مراقبة الصحراء وصاحبة الامتدادات الجغرافية في ليبيا وتشاد والنيجر ومالي وغيرها من البلدان.

معظم الذين تناولوا الشأنين القبلي والديني في الجزائر أوضحوا أن بقاء الرئيس بوتفليقة في <قصر المرادية> مرتبط بشكل أو بآخر بالعلاقة مع الزوايا وشيوخها.

ناصر جابي المتخصص في علم الاجتماع السياسي في الجزائر وصل الى قناعة بأن المال هزم العروشية في الانتخابات البلدية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، وهذا رأي يخالفه فيه الكثير من أبناء الجزائر الذين يعتقدون أن الفكر القبلي لا يزال يلعب الدور المؤثر، خصوصا في الانتخابات المحلية، وقد حاولت الجزائر بعد الاستقلال، كما كتب الصحافي مصطفى دلع، أن تعالج مشكلة العروشية، كما يقول المتخصص في الشؤون القانونية مسعود سيتهوب، من خلال تقسيم العروش على عدة ولايات وبلديات حتى تذوب في بوتقة واحدة بعدما كان التقسيم المعمول به في عهد الأمير عبدالقادر يقوم على اساس توزيعها، وفي عهد الثورة جرت محاولات لتشكيل ولايات قائمة بذاتها على غرار الولايات الست لكن قيادة الثورة رفضت.

التيجانية

والتعصب لابن «الدوار»، أي ابن القرية، والتعصب لابن الزاوية، هما الصوت الأعلى والمسموع والمؤثر. وأثناء زيارتي المغرب في صيف عام 2007 أتيحت لي فرصة القراءة عن الزوايا والوقوف على خلفياتها وآثارها مع عدد من الكتاب المغاربة. فقد اضطلع شيوخ <الزوايا>، كما كتبت صحيفة «الصباح»، بأدوار الوساطة والتحكيم لدى مجموعات الطوارق التي تنشط في الجنوب الجزائري، بل وتهدد بانتزاع أراض جزائرية تدعي أحقيتها، وهي الأدوار ذاتها التي نجح فيها شيوخ ومقدمو <الزوايا> أثناء توسطهم بين الأوروبيين في بدايات القرن التاسع عشر وبين مجموعات الطوارق المسلحة التي كانت ترى في كل مستكشف أوروبي يقترب من أرض الصحراء مشروع مستعمر سيعود يوما لاحتلال أراضيهم .

الزوايا الصوفية، كما أشار الصحافي المغربي ادريس الكنبوري، ظلت عنصرا مركزيا يستند اليه <المخزن> - أي الحاكم - في تكريس نفوذه وبسط سلطته على البلاد. والأحداث الارهابية التي وقعت في المغرب العربي خلال السنوات الأخيرة جعلت الدولة تراهن على جماهيرية الزوايا الصوفية في مواجهة الحركات الاسلامية المسيسة التي لجأت الى العنف المسلح في مواجهة السلطة.

والطريقة التيجانية هي أبرز مثال على دور الزوايا، وهي ذات نفوذ كبير وواسع في القارة السمراء. والتيجانية نسبة الى أبوالعباس أحمد التيجاني المولود في قرية عين ماضي في الجزائر عام 1737 والمتوفى في مدينة فاس المغربية عام 1815، والذي تتلمذ على يد مشايخ عدة طرق صوفية، منها الزاوية الوزانية والدرقاوية والناصرية.. خلاصة الكلام على الزوايا والعروشية أنها باتت رقما صعبا في المعادلات الانتخابية والتحالفات السياسية، ومن خلال ارتباطاتها بمؤسسات الحكم تعمل السلطات والسياسيون على استمالتها وتوظيف امكانياتها البشرية في العملية السياسية.

العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً