نبدأ العام الجديد وآمالنا معقودة على سداد الرأي في أمورنا التي لم تعد تحتمل التبسيط القاتل للقضايا. إن تبسيط الطرح واختزاله في ترتيلات خطابية مكررة أخذ مأخذه، وأجهد الساحة السياسية كثيرا.
لقد فقدنا فرصا عدة، وتكبدنا - بصفتنا مجتمعا يتطلع إلى نيل حقوقه - الخسائر المتتالية؛ بسبب غلبة الخطاب السياسي المبسّط؛ وبسبب اختلافات حادة بين مجموعات المعارضة... بين الذين كفروا بالمشاركة السياسية، والذين آمنوا بضرورة المشاركة والدخول في جميع ما هو متوافر للعمل الوطني مع الالتزام بالتحفظات المعروفة.
قبل نحو عام سألني أحد المراقبين عن الاحتمالات التي أتوقعها للعام 2007، وكان ردي أن الأمور ستسير على ما يرام، إلا في حال سقط قتيل من جانب الناس أو من جانب رجال الأمن، فحينها لا يمكنني توقع ماذا سيحدث؟!
آخرون اعتقدوا أنهم يعرفون ماذا سيحدث عندما يسقط قتيل، وبعضهم ربما اعتقد أن المعارضة تحتاج إلى سجناءَ أو تحتاج إلى شهداءَ؛ لكي تتمكن من تصعيد الخبر البحريني إلى المستوى العالمي، وبالتالي يمكن للإذاعات والفضائيات أن تتحدث عن البحرين، وحينها يمكن طرح الرأي الناقد والشديد الذي سيوفر مجالا للضغط على الجهات الرسمية.
هذا التبسيط في الطرح تتبعه نشاطات هنا وهناك تنتج لنا بشيء ما... ولكن ما هو هذا الشيء؟ وهل توقفنا قليلا لنسأل أنفسنا عن صحة مثل هذا الطرح؟
لستُ هنا لكي أقلل من جدية المشكلات التي نواجهها أو أهميتها، وأعلم أن لدينا قضايا مشروعة وبعضها حساسة، مثل: التمييز والتجنيس وانعدام العدالة في توزيع الثروة، ولكني أتساءل عن الأفق الذي تشتغل عليه بعض قوى المعارضة التي يمكنها أن ترفع حدة الخطاب ويمكنها أن تحرك المشاعر... ولكن ثم ماذا؟
التبسيط وصل بنا إلى طرح مقارنات غير صحيحة بين وقتنا الحالي وفترة التسعينات، وسيطر التبسيط في الآراء إلى درجة أن شبابنا الأعزاء، وهم في أعمار صغيرة جدا، امتهنوا ترتيل بعض الشعارات السياسية على أساس لونين فقط، أسود وأبيض، معتبرين أن الخيارات أمامنا قد انعدمت ولم يبقَ سوى تحريك الشارع بأية وسيلة، وفي أية مناسبة ممكنة. هذا الطرح أسقط الحاجة إلى الاستشارة، ولم تعد هناك أهمية لأي رأي يخالف الترتيل المبسط للشعارات، ونسينا قول الإمام علي (ع): «شاور قبل أن تعزم وفكّر قبل أن تقدم».
التبسيط فرض نفسه على الساحة كثيرا، وآن الأوان لأن تتحرك المعادلة عن الوضع الذي كانت عليه، وما هو متوافر أمامنا ليس بالقليل، ولكن هذا يتطلب ألا نقبل بأساليبَ تزيد من آلامنا بدلا من معالجتها، ولا نريد أن نفقد شبابنا، فهم أعز ما لدينا... فشبابنا يجب أن يحصلوا على أفضل الوظائف، أو يرسلوا إلى أفضل الجامعات، وليس إلى السجون.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ