قام مسئولون حكوميون من مختلف أنحاء العالم بالتوافد إلى منتجع جزيرة بالي الإندونيسية بهدف إجراء مفاوضات بشأن التغيرات المناخية. وكان النقاش عن معاهدة جديدة شبيهة بمعاهدة «كيوتو»، بحيث تناولت سياسات الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. إلا أن مثل تلك المعاهدة ستلحق الضرر بالفقراء بحيث تعرقل تكيفهم مع التغير المناخي، على حين تقوم ببذل عمل قليل في سبيل الحيلولة دون حدوثه.
أما علم التغيرات المناخية فسيبقى موضع خصام بطريقة حادة؛ بوجود خلافات جوهرية بشأن دور الجنس البشري وأثره في هذا الصدد. ومع ذلك، قامت مجموعات ذات مصالح قوية بإنفاق مئات الملايين من الدولارات في سبيل أن تقنعنا بأن المناخ قد يصبح دافئا بشكل لا يمكن التحكم فيه والذي سيكون له آثار مدمرة في حال عدم القيام بأعمال خفض عاجل من انبعاثات الغازات الدفيئة. ونتيجة لذلك، تتم ممارسة ضغوط كبيرة على السياسيين للقيام بالعمل اللازم.
وللأسف، إن المنظمة التي تم تأسيسها بغرض تقديم النصح والإرشاد إلى الحكومات بشأن هذه المسألة وهي «اللجنة الحكومية المشتركة للتغير المناخي» كانت أيضا منحازة نحو تفزيع الناس من خلال إثارة المخاوف من غير داعٍ. وكان التقرير الأخير الذي صدر عن هذه اللجنة قد ذكر بشكل متكرر ادعاءات مثيرة للجدل عن ارتفاع مثير ومفاجئ في مستويات المياه في البحار ووقوع متزايد لحوادث مناخية شديدة وحادة. وبمحض مصادفة مأسوية، ضرب إعصار هائل خليج البنغال تماما في الوقت ذاته الذي بدأ به عقد اجتماع فالنسيا؛ ما أضاف أهمية حيوية إلى كلا الادعائين، إلا أنه لم يعمل على إضافة أية أهمية عملية تجريبية إلى أي منهما.
ومما هو أسوأ من الانحيازات التي تتم في مجال تقويم العلوم الأساسية، هناك انحياز في التوصيات التي تخص السياسة العامة. فكل تقرير صدر عن اللجنة المذكورة قد استنتج أنه ينبغي على الإنسان أن يقوم بخفض انبعاثاته من الغازات الدفيئة بشكل كبير وعاجل. كما كانت نشرة «ستيرن ريفيو» الدورية - التي صدرت للحكومة البريطانية - قد توصلت إلى استنتاج مماثل. ومع ذلك، فمعظم الاقتصاديين كانوا قد توصلوا إلى أن في حال فرض أي تقييدات على انبعاثات الغازات الدفيئة يجب أن تكون تلك التقييدات معتدلة، وبأن تكون على الأقل بشكل أولي.
أما الجانب الأكبر من هذه المشكلة فيكمن في عدم إقرار نشرة «ستيرن» واللجنة الحكومية بما فيه الكفاية بالدور الذي يمكن ويجب أن يلعبه التكيف في تناولهما مسألة التغير المناخي. فلا يوجد هناك دليل على أن التغيرات الأخيرة التي طرأت على المناخ هي التي تسببت بحدوث وفيات متزايدة ناجمة من مرض أو جفاف أو كوارثَ طبيعية. وعلى النقيض من ذلك، فقد قام الإنسان على مدى عقد السنوات الماضي بتطوير تقنيات تكنولوجية جديدة جعلته قادرا على التأقلم والتكيف؛ ما عمل على تحسين حياة المليارات من الناس.
لقد كانت حصيلة الوفيات التي نجمت من الإعصار الذي حدث أخيرا في خليج البنغال أدنى مرتبة من ناحية الحجم من ذلك الإعصار المماثل الذي حدث في العام 1991، وربما أدنى بمرتبتين من ناحية الحجم من إعصار «بهولا» الذي وقع في العام 1970 وأدى إلى مقتل ما يقرب من 500 ألف نسمة. أما في الإعصار الذي وقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، فقد تمكنت غالبية السكان من النجاة من المأساة وكان السبب في ذلك يعود إلى حد كبير إلى وجود أنظمة إنذار مبكر ووجود بنية تحتية أفضل.
ولكن، لا ينبغي علينا أن نكون متفائلين بشكل أكثر من اللازم. ففي جميع أنحاء العالم هناك ملايين الأطفال الذين يموتون كل سنة بفعل أمراض تتراوح بين مرض الكوليرا ومرض الملاريا وعدوى الجهاز التنفسي، وهي التي من الممكن أن تتم مكافحتها أو يتم علاجها كلها بكل سهولة. هؤلاء الناس هم ضحايا حكومات تحول سياساتها دون تكوين الثروات وتمنع الأفراد من الحصول على الكثير من تقنيات التكنولوجيا الأساسية ومن المياه النظيفة والصحة العامة إلى غاية الطاقة العصرية والأدوية الحديثة.
وبما أن الثروة تزداد ويتم اعتماد واختيار تقنيات تكنولوجية حديثة بشكل اكثر انتشارا، فإن هذه الأمراض ستتناقص بغض النظر عن التغير المناخي. وحسبما قمنا بالإشارة إليه في «تقرير المجتمع المدني عن التغير المناخي»، فإن التكيف والنمو الاقتصادي هما أفضل طريقة للتعامل مع التغير المناخي.
إن محاولة القيام بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بطريقة مثيرة وفجائية ستكون على الأرجح عديمة الجدوى بحيث تعمل على تحويل اتجاه الموارد عن تقنيات تكنولوجيا تكيّفية ومعززة للنمو لتتجه نحو تقنيات تكنولوجيا خافضة للكربون.
هناك طريقة أفضل بكثير من ذلك في هذا الصدد بأن يتم تناول مسألة التغير المناخي بحيث تتم إزالة الحواجز الحكومية الموضوعة أمام تكوين الثروة وأمام التكيف التكنولوجي. وإذا كان المفاوضون مهتمين بشكل جدي بأمر تجنب خطر التغير المناخي، وبطريقة موفرة للمال وأكثر فعالية، فعليهم من الناحية الأساسية أن يتطلعوا نحو التكيف والتأقلم وليس نحو الحد من انبعاثات الغازات.
*مديرة برنامج البيئة التابع إلى «شبكة السياسة الدولية» في لندن، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ