في يوم إجازة رسمية... تم الاتفاق على زيارة جزيرة نائمة منذ قرون في البحر، غرب جزيرة البحرين الأم. وهكذا سارت بنا السيارة باتجاه مرفأ المالكية الذي تبعد الجزيرة عنه بمسافة 3.35 كم.
فوجئت مع المصوّر محمد المخرق بوجود منعٍ من قوات الأمن يومها من دخول غير أهالي المنطقة لوجود اضطرابات، ولم تنفع إبراز هوياتنا الصحافية في اجتياز الحاجز. وفي الأثناء، تلقينا اتصالا من مضيفينا بتغيير وجهتنا إلى ما يمكن تسميته تجاوزا «مرفأ كرزكان»، فهو مجرد كومة من الأحجار والطابوق على الساحل، لننطلق منه إلى الجزيرة التي تبعد 2.03 كم عن ساحل كرزكان، وعن «المرفأ» 2.74 كم، بحسب تقديرات حسابية زوّدنا بها الزميل بقسم الأخبار الخارجية في «الوسط» أحمد شبيب.
عند وصولنا إلى «مرفأ كرزكان»، كان بانتظارنا طرادٌ صغير جدا، لا يتسع لأكثر من أربعة أشخاص بالإضافة إلى البحّار. وهكذا انطلق بنا عند الساعة الرابعة عصرا، وبعد أربع دقائق بدأ خيطٌ دقيقٌ أسود يرتسم في الأفق، ولم تمر غير دقيقة واحدة إلاّ وكان الطرّاد يبحث عن نقطةٍ ليرسو على ظهر الجزيرة الصغيرة جدا. وبعد أن أكمل دورة واحدة حول الجزيرة استقر أخيرا على ما يمكن تسميته «جي تي» تسامحا، مكوّنا من بعض قطع الطابوق ليكون «مرفأ» (على قد الحال) لصغار القوارب والطراريد.
قبل الرحلة كنت قد اطلعت على خرائط الجزيرة المأخوذة من موقع «غوغل إيرث»، إذ تظهر نقطة صغيرة ضائعة في البحر، عندما سألت عن مساحتها قيل إنها في مساحة ملعب كرة السلة، لكن تبين أنها أكبر من ذلك بمقدار الضعف.
الجزيرة الصغيرة تحمل اسم «اليعسوب»، وبعض أهالي المنطقة يلفظونها «اليعصوف»، ويبلغ أقصى طول لها 134.53 مترا، وأقصى عرض لها 62.90 مترا، ويوجد بها قبر قديم يسمى «العبد يعسوب»، وإليه تنسب الجزيرة، وهو من أصحاب الإمام علي (ع) الذين طاردهم الحكم الأموي وقُتل هنا بحسب الرواية الشعبية الشائعة.
الجزيرة تقع غرب الجزيرة الأم، وتقع على بعد 2.68 كم من جزيرة أم النعسان، رابع أكبر الجزر (بعد البحرين والمحرق وحوار على الترتيب)، وتشكل ملجأ للصيادين عندما تهب الرياح، ومحطة للاستراحة أثناء رحلات الصيد في هذه المنطقة التي تكثر فيها أنواع معينة من الأسماك كالصافي والهامور والسلوس. وهذه البيئة نالها التدمير بأسباب يرجعها رئيس «جوالة المالكية» الناشط البيئي سعيد منصور إلى كثرة الصيد وعمليات الدفن، واستخدام شباك الصيد الإسرائيلي المدمّر للبيئة، فضلا عن عدم اكتراث الهواة على عكس البحّار المحترف الذي يحافظ على مصدر رزقه.
وأنت على ظهر الجزيرة يمكنك أن تشاهد جسر البحرين - السعودية (جسر الملك فهد)، الذي أدى تشييده إلى ارتفاع نسبة الملوحة في الماء، فاختفت بعض أنواع الأسماك، حسبما يقول منصور. ويضيف أن الجزيرة كانت مغلقة في وجه الصيادين في سنوات سابقة لصالح أحد الأشخاص، إلاّ أنها أصبحت مفتوحة للعموم وتقصدها بعض العوائل والشباب للبيات فيها وخصوصا أيام العطل الأسبوعية، طلبا لتغيير الجو، وهو ما يستوجب المحافظة على نظافتها من قبل الجمهور.
الماء في هذه المنطقة مازال صافيا نوعا ما، مقارنة بمناطق أخرى زرناها سابقا، وقاع البحر يتنوع بين أجزاء طينية وأخرى صخرية ورملية، إذ تمثل موئلا لأسماك مختلفة. ويمكنك أن تشاهد المحار والأعشاب البحرية بكثرة، فهذه المنطقة كانت غنية بالأسماك، يدلّ على ذلك انتشار مصائد الأسماك التقليدية (الحظور)، التي تحوم حولها وتحل فوقها أسراب الطيور البحرية.
الجو كان بديعا، فنادرا ما تجد مثل هذا الهواء العليل في أوقات أخرى من العام، والمنظر الطبيعي هنا يصلح خلفية للوحة فنية عن جمال الطبيعة، حتى أشعة الشمس هنا هادئة وتميل إلى الرومانسية، وهو ما أذهل المصوّر فانشغل عنّا بالتقاط أكثر من ستين صورة للغروب... بل وحرص على أن نلتقط له صورا كثيرة وهو يجلس في وضعيات رومانسية على حافة بعض الصخور!
الجزيرة سطحها صخري، كأنها جزءٌ من البر اقتطع من الساحل بالسكين، أقرب إلى شكل حبّة «كمثرى» وألقي به في البحر، وربما هذا ما حفظها من التآكل بفعل الأمواج. وأثناء تجوّلنا عثرنا على بعض بقايا الطيور النافقة، فالجزيرة معبر للطيور المهاجرة بين أقطار الخليج، فتمتلئ بالطيور في موسم التزاوج.
وبحسب منصور، اكتشف بعض البحّارة جرارا قديمة في المنطقة، وعندما نقلت إلى المتحف تبين أنها تعود إلى الفترة الدلمونية. ويطالب بتحويل الجزيرة إلى محمية طبيعية، واتخاذ خطوات إضافية لتحسين وضعها البيئي، من قبيل استزراع الأسماك للحفاظ على الثروة السمكية التي يتم استنزافها بسرعة.
فيما كنا نهم بركوب الطرّاد للعودة إلى الساحل، كانت الشمس قد سبقتنا للغروب، وفي الطريق كانت هناك بعض الطراريد تتجه شمالا لصيد الروبيان. كان الظلام بدأ يخيِّم علينا وبدأ الجو يبرد، وبدت المباني موزعة على طول الساحل الذي بدأت تغزوه الأنوار، وفي خلفية الصورة انتصب جبل الدخان.
العدد 1946 - الخميس 03 يناير 2008م الموافق 24 ذي الحجة 1428هـ