جو المنطقة الجبلية التي يقطعها حجاج بيت الله للوصول إلى مكة بارد للغاية، إذ لم تجدِ الحاجة إلى حماية نفسها من لسعات البرد سوى افتراش الأرض والتحاف السماء بعد مشوار شاق على جسر الملك فهد لتجد نفسها مع مجموعة من النسوة بلا دليل أو مرشد بعد أن تخلف عنهن مقاولهن من دون سابق إنذار ليجدن أنفسهن مجبرات لا بطلات للمضي قدما قاصدات بيت الله الحرام ضاربات كل المصاعب التي توقعن ملاقاتها عرض الحائط، إلا أن 27 ساعة قضينها للوصول إلى مكة كانت كفيلة بأن تدفعهن للتفكير ألف مرة في النظر إلى الوراء والعودة إلى الوطن بعد أن ضاقت بهن السبل، ولاسيما أن حظهن تعثر مع حملة حج غير مرخصة دفعت البعض منهن إلى تأجير سيارات خاصة لتوصلهن إلى الميقات، على حين وقف المال حاجزا أمام تلكم النسوة اللاتي آثرن الاتفاق مع أحد سواق الحافلات الكبيرة الذي وعدهن بإيصالهن إلى الميقات عن طريق التهريب على أن يلتحقن بمقاولهن في فندقٍ بمكة.
وها هن يتنفسن الصعداء بعد أن تعكزت كل منهن على الأخرى حتى لبسن ثيابهن البيض رامين ما شاهدنه خلال 27 ساعة لم تتجاوز الساعات الخمسة عشرة لدى الحملات المرخصة وراء ظهورهن بعد أن لاقين الأمرين خلال ذلك الدرب الطويل فمنذ سماعهن عواء الذئاب وطلقات النار وخوفهن من وطأة قطاع الطرق انقضت تلك المسافة أخيرا، ولعل هذا الموسم على رغم روحيته يعد جيدا للصيد في الماء العكر فقد عمد صاحب الحافلة إلى عقد اتفاق مع تلك النسوة لإيصالهن عبر طرق نائية قاطعا مناطقَ مهجورة وشاقا الجبال نضير مبلغ مجزٍ من المال.
وعلى رغم التعب والمشقة قصدن بيت الله الحرام للطواف والصلاة والسعي، على حين آثرت قلة منهن الراحة والعودة في اليوم التالي.
12 كيلومترا سيرا على الأقدام
ولم تكن ذكريات الحجاج من الرجال أكثر رحمة فقد عاد البعض منهم بعد موسم الحج وقد تناقص وزنه إلى النصف، إذ اعتبر أحد الحجاج موسم الحج فرصة للثواب والعقاب والتخسيس على حد السواء فقد ذكر أنه كان يقطع يوميا 12 كيلومترا سيرا على الأقدام من موقع سكنه إلى بيت الله الحرام أي ما يعادل نصف ساعة ذهابا ومثلها إيابا.
ولعل موضة هذا العام هي تأجير عدد من السيدات الإفريقيات الطويلات العريضات في بعض الحملات للحجاج ممن يصنفون ضمن خانة الـVIP ترتكز مهمة تلك السيدات على تشكيل حلقة منيعة والإحاطة بسيدات الحملة من الحجاج أثناء تأديتهن الطواف، وعلى رغم ما تلاقيه هذه الممارسة من شد وجذب بشأن إشكال شرعيتها؛ نظرا إلى ما تتسبب به من ضيق للحجاج والتأثير على روحية الموسم لوحظ انتشارها في أكثر من حملة.
دقت الساعة معلنة شد الرحال إلى عرفة، لم يغفل الحجاج فيها تسجيل ذكرياتهم خلال درب طويل ولاسيما بعد أن باتوا أمام خيارين إما السير على الأقدام وإما توقع دفع كفارة؛ نظرا إلى تعطل عملية سير الحافلات وتوقع بزوغ الشمس قبل وصولهم إلى عرفة فما كان من 56 امرأة سوى الترجل من الحافلات ودعوة رجال الحملة إلى قطع المسافة سيرا على الأقدام حتى عرفة، ولم يكن خيارهن موفقا فقد ساروا مسافة 9 ساعات متواصلة إلا أن اللافت - وفق ما تشير إليه إحداهن - التقاؤهن سيدتين في البر تائهتين قضيتا ساعات طوالا في البر مراهنتين على حياتيهما لينضما إلى باقي النسوة حتى وصلتا إلى خيام منى مرورا بالمزدلفة. ولحديث الذكريات بقية.
العدد 1946 - الخميس 03 يناير 2008م الموافق 24 ذي الحجة 1428هـ