العدد 1945 - الأربعاء 02 يناير 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1428هـ

ضَائِقَةُ أبُوالعَبِد!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحوال المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني ومعها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليست بِسَارَّةٍ لأحد. الغَزَّاويون البالغ تعدادهم المليون وثمانمئة ألف نسمة لم يعد أمامهم سوى أن يُعْمِلُوا خياراتهم التي منحتهم إيّاها الجغرافيا، فلديهم البحر المُفضي بهم إلى الأبيض المتوسط على رغم أنه مُحاط بمواقع عسكرية صهيونية كحوف شكيما وحوف دكاليم وحوف اشليم، ولكنه يبقى بحرا لا تحكمه شارات الأرض ولا استحقاقاتها، ولديهم حدود مع مصر على رغم اختزالها بمعبر رفح التي يُسيطر عليه الكيان الصهيوني بصورة شبه كاملة، ولكن حفر الأنفاق وما تجلبه من منافع يُعوّض الغَزَّاويين ما يفقدونه بسبب اختصار الحدود وتعنيق المعابر.

منذ سيطرة حركة حماس على القطاع في يونيو/ حزيران الماضي بدأت تتعامل مع ملف آخر إلى جانب المقاومة المُسلّحة، فهي أضحت مسئولة عن توفير الخدمات العامة للناس والمحافظة على الأمن والحد من البطالة وإيجاد دورة الإنتاج اللازمة للاقتصاد. وعلى مستوى الخارج كان عليها المواءمة ما بين متطلبات الرباعية الدولية وبين أدبيات الحركة السياسية والايديولوجية، صحيح أن الإيرانيين قدموا لهنية خلال زيارته لطهران 900 مليون دولار وبعض السيارات المُصفّحة، ولكنها تبقى أموالا لتسيير الأعمال فقط، وبالتالي فإن إيجاد البدائل الدائمة المدرارة هو الأفضل للاقتصاد الفلسطيني الذي تُديره الحركة. في مرحلة النظر والتقييم فإن أداء حماس في القطاع خيّب آمال أبي مازن الذي أراد لتجربتها أن تبور وشعبيتها أن تتآكل، فحكومة إسماعيل هنية لم تعد تُسيّر شئونها بشعارات الديماغوجيا، بل إنها سعت لدى القطريين الذين تربطهم بها علاقة حسنة لأن يفعلوا شيئا لها وللقطاع، بمعنى آخر فإن الطلب الحمساوي تلخّص في إيجاد قنوات “تنسيق” في أقل تقدير مع الكيان الصهيوني وإن عبر طرف آخر، وهو ما حصل فعلا، وليس غريبا أن يُعلن طاهر النونو الناطق باسم الحكومة الحمساوية في غزة أن اتصالا هاتفيا جرى بين رئيس الوزراء إسماعيل هنية ومراسل القناة الثانية في التلفزيون الصهيوني للحديث عن التهدئة ووقف إطلاق الصواريخ من القطاع، باتجاه البلدات الصهيونية مقابل إيقاف تل أبيب للاغتيالات السياسية والأمنية، أعقب ذلك حديث لشاؤول موفاز وزير المواصلات حثّ فيه حكومة أولمرت على الشروع في مفاوضات “غير مباشرة” مع حماس للتوصل إلى اتفاقات سياسية، تفضي إلى الهدنة.

تحفيزات حركة حماس قد لا تختلف في كنهها عن دفوع الكيان الصهيوني لأن يتعبّد بتصريحات هنية أخيرا، فالبلدات الواقعة بمحاذات القطاع كسديروت واشكلون ونتيفوت أو تلك التي هي ضمن امتداده الجغرافي لم تعد تهنأ إلاّ بأمن متقطّع ومبتور منذ سبع سنوات بسبب الصواريخ التي تُطلق من القطاع، بل إن الدراسة التي أصدرها مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب في الكيان الصهيوني أفادت بأن هذه الصواريخ أثرت على حياة مئة وتسعين ألف صهيوني وهجّرت ثلاثة آلاف آخرين من بلدة سيدروت وحدها، وعلى رغم أنها صواريخ ذات تقنية روسية، ولكنها بدائية ولا تزيد زنتها عن 62 - 66 كيلوغراما وطولها 280 سنتمترا إلاّ أنها تستطيع أن تحمل مواد متفجرة قاتلة تفوق الثمانية عشر كيلوغراما ويصل مداها إلى عشرين كيلومترا ونصف الكيلومتر، بالإضافة إلى منظومة أخرى من الصواريخ كقدس والقسّام وناصر والصمود.

في المُحصّلة فإن المعادلة هناك مُركّبة، والحرب غير متكافئة في ظل سعي الكيان الصهيوني لتنميط صراعه مع الفلسطينيين ضمن مسطرة ممتدة من أوجه الصراع العابر للسياسة والموصول إلى صراع حضاري بين اليهودية المسيحية وبين “الإرهاب” الإسلامي، ولكن البراغماتية وموازين الصراع هي التي تفرض أجندتها على الواقع وهي التي تتحكّم في أن تكون المعركة عسكرية أم حلفا للهوامش أم تطبيعا أم صُلحا قسريا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1945 - الأربعاء 02 يناير 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً