قال موقع تابع لوزارة الخارجية الأميركية، حين تسأل عن الشاعر الأكثر شعبية في الولايات المتحدة اليوم، فإن الجواب سيكون هو الشاعر جلال الدين الرومي، وذلك في مؤشر على اهتمام الأميركيين بهذا الشاعر. وكانت منظمة اليونسكو قد خصصت العام 2007 عاما دوليا للاحتفال بالمئوية الثامنة لميلاد الرومي.
يعدّ الرومي أحد أقطاب الصوفية في التاريخ الإسلامي، وقد ولد عام 598 للهجرة /1207 للميلاد في بلخ بأفغانستان، ومن ثم انتقل إلى قونية في آسيا الصغرى (تركيا حاليا) ولُقِّب بالرومي نسبة إلى أرض الروم - آسيا الصغرى. وتوفي عام 664 للهجرة /1273 للميلاد.
وكان جلال الدين قد اشتهر بالتصوّف وجاء إليه مريد من تبريز يدعى شمس الدين التبريزي، وما إن التقى جلال الدين به حتى دخل معه في حوار عميق وفضّله على جميع تلاميذه الآخرين، الأمر الذي جعل شمس الدين محسودا من قبل هؤلاء. لكن لم يطلْ المقام بشمس الدين عند معلمه جلال الدين، إذ وافته المنية، وهنا بدأ جلال الدين في البكاء والنحيب على حبيبه شمس الدين، وكتب ديوانا شعريا يرثيه فيه يسمى «المثنوي» وهو يتألف من ألفي بيت من الشعر كلها مديح وحب ورثاء للراحل شمس الدين. ويُنسب إلى جلال الدين الرقص الدائري، حيث يدور الصوفي فيه على نفسه تشبها بدوران الفلك حول مركز الكون - الإله.
السؤال الذي يُطرح هنا هو، لماذا هذا الاهتمام الأميركي والعالمي بجلال الدين الرومي؟. قطعا أن هذا الاهتمام لا ينبع من كون جلال الدين شاعرا إسلاميا أو شخصية صوفية إسلامية، لأن في الأمة الإسلامية من هو أشعر من جلال الدين، وهناك من هو أوسع علما ومعرفة منه. ولنا أن نذكر من الشعراء العرب، المتنبي وأبا تمام والشريف الرضي، ومن الشعراء المسلمين الفردوسي وحافظ الشيرازي وعمر الخيّام، وفي التصوّف هناك أبو التصوف الإسلامي أبو القاسم الجنيد القواريري الصوفي الذي عاش في العصر العباسي وإليه يرجع النهج الصوفي الإسلامي، وكذلك المتصوّف الكبير السهروردي.
وأما في مجال العلم والفلسفة فحسبنا أن نذكر ابن سينا والفارابي وابن عربي وابن رشد. لكن إزاء كل ما لدى هذه الأمة من شعراء وفلاسفة ومفكرين ومتصوفين، لم يجد الغرب سوى جلال الدين الرومي ليحتفل به وليتغنى بشعره وليجعل منه مثالا على الشاعر المجيد والمسلم القدوة. ومع احترامنا الشديد وتقديرنا البالغ لجلال الدين الذي ننظر إليه بفخر واعتزاز، إلاّ أننا نرى أن هذا الاحتفاء الغربي به لم يأتِ من فراغ، بل إنه يأتي في وقت تتصاعد فيه حدّة الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي منذ وقوع حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فقد أصبح الغرب في معظمه ينظر إلى الإسلام على أنه رديف للإرهاب، ويرى أن القضاء على الإرهاب يتطلب تغيير المفاهيم والأفكار عند المسلمين وتأهيلهم لجعلهم قادرين على الانخراط في الحضارة الغربية. فالمسلمون، دون خلق الله أجمعين، ما زالوا يرفضون مفاهيمه حول الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان.
ويرى الغرب أن هذا الأمر يجب ألاّ يستمر طويلا، ولذلك أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الحرب على ما يسمى الإرهاب. هذه الحرب التي قال عنها الرئيس الأميركي بوش، إنها قد تستغرق عمر الإنسان. وفي موازاة تلك الحرب العسكرية، أعلنت الولايات المتحدة على لسان وزير دفاعها السابق دونالد رامسفيلد العام 2004، ما يسمى «حرب الأفكار» لتغيير أفكار الشباب المسلم. وحرب الأفكار هذه تعتمد على أسس ومفاهيم ثقافية غربية تستهدف غزو ثقافة المسلمين وأفكارهم، وهي تشمل جميع جوانب الحياة الثقافية والفكرية عند المسلمين بدءا من المسجد الذي يجب أن يُهجر إلى الحسبة التي يجب أن تلغى إلى القرآن الذي يجب أن يعدَّل وتُحذف منه الآيات التي تذمّ اليهود والآيات التي تحضّ على الجهاد في سبيل الله. مع نشر الأفكار الهدامة وتشجيع الإباحية والحرية الجنسية في بلاد المسلمين لصرف الشباب عن الاهتمام بالقضايا العليا كما حدث في أوروبا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن ثم إنشاء إسلام جديد لا مكان للسياسة فيه، إسلام يكون موجوداُ بالاسم فقط، وليس بالعمل والاجتهاد. وفي إطار هذه الحرب، يأتي الاهتمام بالتراث الصوفي للمتصوف الإسلامي جلال الدين الرومي الذي ابتعد عن السياسة والحروب في وقت كان السلاجقة فيه في حرب ضروس مع الروم بعد أن كانوا قد سيطروا على آسيا الصغرى في معركة «منزيكرت» عام 462 للهجرة/ 1071 للميلاد، وراحوا يضيقون الخناق على الروم في القسطنطينية. فإسلام الدراويش الذي جسّده جلال الدين الرومي هو الإسلام الذي يجب أن يوجد الآن.
محمد خليفة
كاتب من الإمارات
العدد 1945 - الأربعاء 02 يناير 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1428هـ