من دون مقدمات، تحولت مجالس الصحوة إلى جسم غير مرغوب فيه داخل العراق، وتحول التنافس بين الحكومة والقوات الأميركية على تبني نجاحات مجالس الصحوة ضد تنظيم القاعدة إلى تنصل عن هذه المجالس التي وصل عدد منتسبيها إلى نحو 80 ألف عنصر مجهزين بأسلحة خفيفة مكنتهم من ضرب أعتى تنظيم إرهابي حارت جيوش العالم وفي مقدمتها أميركا وحلف الناتو في القضاء عليه.
نقول من دون مقدمات، لا يمكننا اعتبار خطبة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وزعيم الائتلاف العراقي السيد عبدالعزيز الحكيم عذرا حكوميا لبداية «انقلاب» ضد مجالس الصحوة، إذ لم يشر السيد الحكيم إلى رفع المظلة الحكومية عن مجالس الصحوة، بل دعاها إلى السيطرة على مجالس الصحوة في المناطق المختلطة مذهبيا، وهو مطلب منطقي وسط التنافر والتجاذب الذي تعيشه مناطق كثيرة في العراق، ولاسيما العاصمة بغداد.
من الناحية العملية ما كان للوضع الأمني أن يتحسن لولا هذه المجالس بغض النظرعن آلية تشكيلها وطريقة عملها أو حتى أسلوب استقطاب عناصرها، فهذه المجالس استطاعت في وقت قياسي وبإمكانات بسيطة إذا ما قورنت بالقوات الأميركية والحكومية أو حتى تنظيم القاعدة القضاء على الإرهاب في العراق، وليس من الحكمة أن تقوم الحكومة الآن بالاستغناء عن هذه المجالس في ظل استمرار التجاذبات السياسية والطائفية والقومية التي قد تقلب مجالس الصحوة من خندق الدولة إلى خنادق أخرى.
ما حصل في العراق هو أن الإرهاب تراجع والقوات الأميركية ومعها الدولة استطاعتا استقطاب رجال العشائر وشباب أهل السنة إلى جانبهما لتشن حملة ناجحة ضد تنظيم القاعدة تكلل بنجاح عسكري عكس الاستقرار الأمني النسبي في عموم العراق والعاصمة بغداد والمحافظات الساخنة وهي (الأنبار ونينوى وصلاح الدين وجزء مهم من ديالى)، لكن هذا الاستقرار يبقى هشا إذا لم يدعم بموقف سياسي ومصالحة وطنية حقيقية ترسخ الاستقرار الأمني في العراق.
من حق الحكومة أن تقلق من انتشار السلاح بين فصائل مذهبية وقومية، لأن ذلك قد يقوض وجودها كاملا مع أي حدث شبيه بتفجير مرقد العسكريين في سامراء، كما أن من حق الحكومة العمل على حصر السلاح بيدها لترسيخ دولة القانون، وخصوصا أن العام الحالي سيشهد البت في قضايا حساسة ومصيرية في مقدمتها قضية كركوك وتطبيق الفيدرالية في العراق وإقرار قانون النفط وإجراء انتخابات مجالس المحافظات وتغيير بعض البنود الخلافية في الدستور وغيرها من القضايا المهمة والحساسة.
صحيح أن العراق مقبل على سنة مصيرية لمستقبله السياسي، وعليه رسم ملامح الدولة الأساسية، لكن مع استمرار فشل تحقيق مصالحة وطنية بين مكونات الشعب العراقي، ستبقى قوات الصحوة إذا ما عملت تحت مظلة الدولة الضامن الأساسي لفترة انتقالية أمام أية استقطابات عسكرية او سياسية يكون تنظيم القاعدة طرفا فيها، وخصوصا ان هذه المجالس لم تدخل حتى الآن تحت مظلات اقليمية او دولية ما دامت الدولة قادرة على ملء هذا الفراغ حتى تحقيق المصالحة الوطنية، حينها يبقى القول المأثور «لكل حادث حديث» هو الخيار الصحيح أمام الدولة.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ